حسين الرواشدة - النقاشات التي تدور داخل مجلس النواب، وفي الفضاء العام، حول مشروع قانون حقوق الطفل، ليست مفاجئة، ولا غريبة، فهي حلقة من حلقات مسلسل طويل، ربما أصبح مملا، عنوانه “الوصايات”، الأردنيون الذين يتطلعون لبناء دولة ديمقراطية حديثة، ما زالوا يحاولون كسر عصا الوصاية التي يريد البعض أن يفرضها عليهم، سواء باسم الدين، او السياسة، او العشيرة.
من المفارقات، هنا، أن النخب التي تتوزع على بعض إدارات الدولة، والأخرى التي تتربع على مقاعد المجتمع، تتصارع على فرض الوصاية على الأردنيين، فباسم التعاليم الدينية، أو المراسيم الاجتماعية، يعتقد البعض أن أية حقوق تلزم الآباء والأمهات، بالحفاظ على خصوصية أولادهم، وعدم التدخل بحياتهم الخاصة (المادتين 7،8) تتعارض بالضرورة مع الدين، وقيم المجتمع، وربما تكون مؤامرة عليهما معا.
من جهة أخرى، يعتقد آخرون باسم الأمن والسياسة والمصلحة العامة، أن أية حقوق تلزم الدولة بضمان أو حماية حقوق المواطنين، بالتعبير عن آرائهم، أو الانتساب لبعض الأحزاب، أو المشاركة بالعمل العام، يمكن التفاوض عليها، أو التنازل عنها إذا اقتضى الأمر، لدرجة أن مشروع التحديث السياسي الذي استبشرنا به، يتعرض الآن من بعض المسؤولين لتحريفات قد تنتزع منه أهدافه، أو تدفع البعض للتشكيك بإمكانية تنفيذه.
سؤال المليون هنا: كيف يمكن أن نفهم أو حتى نبرر اللغز التالي: إدارة الدولة تريد أن تبدأ رفع الوصاية التي يفرضها الآباء والأمهات والأسر على أطفالهم، فيما تصر على فرض الوصاية على الكبار، أقصد المجتمع، ثم حرمان بعض الأردنيين مما تمنحهم القوانين من حقوق سياسية، سواء بذريعة الاعتبارات الأمنية، أو المحاصصات السياسية؟
من حق الأردنيين، أطفالا كانوا أم كبارا، أن يكونوا شركاء، وألا يتعامل معهم أحد بمنطق الأوصياء، الشراكة داخل الأسرة لا تختلف عنها داخل الدولة والمجتمع، وإذا كان مطلوبا من الأسرة أن تربي أبناءها على أساس ما تنص عليه حقوقهم بموجب القانون، فإن من واجب الدولة أن تقنع أبناءها (مواطنيها) أيضا أنها تتعامل معهم بموجب القانون، هنا تستقيم المعادلة، ويصبح من السهل إقناع الجميع أن القانون المنسجم مع تعاليم الدين الصحيحة، وقيم الدولة ومصالحها، وخصوصيات المجتمع، هو المسطرة أمام الجميع.
مشكلة الوصايات، على اختلاف أنواعها ومصادرها، أنها لا تعترف بالآخر، وتتعامل معه باستهانة، كما أن القائمين عليها، والمستفيدين منها، يعتقدون أنهم فوق القانون، او أنهم الوكيل الحصري للقانون والقيم معا، ولذلك يعتمدون خطاب اقصائيا قائما على التخويف والترويع، يحدث هذا باسم الأبوة، أو المصلحة الوطنية، أو المراسيم الدينية والاجتماعية، فيما الحقيقة أن معظم من يرفع لافتة الوصايات، لا يخافون الا على مصالحهم فقط .
تريدون أن يقتنع الأردنيون برفع وصاياتهم عن أطفالهم كما جاء في مشروع قانون الطفل؟ إذا فلنبدأ بتصحيح اعوجاج مساراتنا السياسية، والاجتماعية، والدينية، والأمنية، بحيث نطلق الحريات العامة، ونترك أمام المواطنين كل المجالات العامة مفتوحة، بحراسه القانون فقط، لكن رفع الوصايات لن يتحقق إلا من خلال نصوص قانونية واضحة ورادعة، ويقتنع بها الناس، وتطبيقات أمينة تباشرها الدولة بلا تردد.
هذه ليست فقط مسألة ضرورية لتحرير السياسة مما يضعه البعض من مطبات في طريق تشكلها حزبيا، أوديمقراطيا، وإنما ضرورية لبناء جيل أردني (4،5 مليون من سكان الأردن دون سن 18) منتم لأسرته، وبلده وأمته أيضا، أعرف أن المشوار يبدو طويلا، لكن لابد أن نبدأ.