يبدو أن الحرب الروسية – الأوكرانية أعطت الدروس الكافية لدول العالم وخصوصاً الدول العظمى , فهناك من كان يدير الحرب بالوكالة كالولايات المتحدة الأمريكية وهناك من كان يتفرج ويراقب كالصين , يبدو أن السيناريو إختلف لإن المستهدف الرئيسي كان الصين لإستدراجها للدخول في هذه الحرب من خلال حليفتها روسيا أو تقديم الطعم اللازم لها لإلتهام جزيرة تايوان وبالتالي المحاولة لإضعاف إقتصادها لكن ذلك لم يحدث , لقد تحققت فائدة إستراتيجية واحدة لهذه الحرب وهو إضعاف للإقتصاد الأوروبي من خلال تحميله للديون وتباطىء إقتصاده الذي سيعاني منه لسنوات قادمة ناهيك عن إمكانية تفككه وبوادر ذلك السقوط المدوي لعملته اليورو.
لقد تراجع محور أوكرانيا وحلفائها الإمريكيين والأوروبيين عن فكرة الإطاحة بالإقتصاد الروسي عن طريق فرض عقوبات إقتصادية قاسية عليه وجر حليفته الصين لتلك التبعات حيث أن الحسابات لم تكن دقيقة في المعسكر الغربي , ورأينا مؤخراً التراجع في العقوبات التي فرضت على روسيا من حضر النفط والغاز , وظهرت نتائجها من خلال إستجداء ألمانيا لروسيا بإعادة ضخ الغاز عبر خط أنابيب Nord Stream1 بعد ضغط ألمانيا على كندا لإعادة توربينات الغاز التي تم إصلاحها حيث بدأ ضخ الغاز عبرخط الأنابيب هذا إلى ألمانيا, وكذلك فك حصار ليتوانيا عن إقليم كالينينغراد التابع لروسيا ,وتخفيف العقوبات عن البنوك الروسية لتصدير السلع الغذائية كالقمح والزيت , وإلغاء الولايات المتحدة حضر الإستيراد عن الأسمدة الروسية.
إن الخوف الرئيسي الآن ومستقبلاً من تصاعد الإقتصاد الصيني , فمن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2030 ليصبح 64 ترليون دولار في المركز الأول عالمياً وبلا منازع, فقد حققت خلال الربع الأول من هذه السنة 2022 أعلى ناتج إجمالي عندما سجلت نسبة نمو 4.8% بينما تراجعت الولايات المتحدة 1.5%,فالصين أخذت تفكرجدياً بإكتساح العالم إقتصادياً وتكنولوجياً , وذلك بمحاولة لإستقطاب معظم المشاريع العالمية في دول العالم الثالث عن طريق BOT أو الدخول بشراكات إستثمارية مع هذه الدول بعد أن بدأت بتعزيز القطب أو المحور الجديد BRICS والذي يضم خمس دول هي روسيا,الصين,الهند,البرازيل وجنوب أفريقيا, والذي يتوقع أن يصل عدد أعضائه 20 عضواً مع نهاية عام 2023 وأهم أهدافه الإستغناء عن التداول بالدولار خلال التعاملات النفطية والمبادلات التجارية وإستبدالها بالعملات المحلية لكل دولة من دول الأعضاء, ومحاولة إيجاد طريقة دفع جديدة خاصة بهم بدلاً عن SWIFT , إضافة إلى أن الصين بدأت بإنشاء خطوط طرق برية وبحرية عالمية لإيصال منتجاتها إلى الأسواق العالمية وهو ما يعرف بطريق الحرير الجديد أو بما يُعرف باسم "الحزام والطريق"وتشارك فيه 123 دولة .
لقد توجست الولايات المتحدة من هذا التوسع في الإقتصاد الصيني والصعود السريع له ,وما تقدمه من إغراءات لدول العالم ومن ضمنهم أصدقاء وشركاء قديمين للولايات المتحدة الأمريكية , فكان الأمر المتخذ على مستوى الرئاسة الأمريكية عندما قام الرئيس الأمريكي بايدن بزيارة للشرق الأوسط وإلتقى برؤساء 9 دول عربية للتأكيد عن دعمهم والإبقاء على التعاون الإقتصادي والعسكري خوفاً من إتجاههم للمارد الصيني فطرح مشاريع الإتصالات المتقدمة الأمريكية من الجيل الخامس 5G وما يتبعه من الجيل السادس6G , ومشاريع الطاقة الأمريكية والتسليح الأمريكي لتلك الدول , وكذلك إصرار بايدن على لقاء زعماء القادة الأفريقيين في شهر تشرين الأول القادم من هذا العام في أفريقيا للتأكيد على دعمهم وعدم إنجرارهم وراء الصين.
إن السماح للصين بالتمدد الإقتصادي تجاه العالم سيمكن العملة الصينية اليوان من السيطرة على الإقتصاد العالمي خلال العقد القادم , وستصبح من الإحتياطات الرئيسية لدى البنوك المركزية في دول العالم وبنسبة قد تصل إلى 50% , ولذلك فإن ترتيب الحسابات المستقبلية والإستراتيجيات العالمية والتحالفات الجديدة ستتغير وأتوقع بتقديري أن تعمل الولايات المتحدة على سلخ روسيا من حليفتها الصين وذلك بتسهيل إنضمام روسيا إلى الإتحاد الأوروبي في المستقبل القريب ليقف هذا الإتحاد سداً منيعاً أمام الإقتصاد الصيني بعد التنسيق مع الولايات المتحدة الإمريكية لكبح جماح الإقتصاد الصيني ليتحقق المثل القائل "عدوي اليوم صديقي في الغد".
إننا في الأردن نتيجة لموقعنا الجيوسياسي الهام , وسياستنا الحكيمة بفضل قيادتنا الرشيدة تُحتّم علينا دوماً الوقوف على نفس المسافة من هذه الدول المتصارعة لتحقيق المكاسب التي تخدم مصالحنا وتحقق أهدافنا.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
مستشار مجموعة DDL الأمريكية-CDAG
mhaddadin@jobkins.com