ماهر أبو طير - قد تبدو الأحداث الجارية في غزة، والقدس، بعيدة نسبيا عن الأردن، لكنها في جوهرها مهددة للأردن، على عدة مستويات، بما يعني أن رد الفعل يجب أن يكون مختلفا، ويقرأ الأخطار جيدا.
مناسبة الكلام ليس تحميل الأردن، منفردا، الكلفة كل مرة، بشأن التدخل لوقف ما يجري، لكن الأخطار الإستراتيجية على الأردن، ليست سهلة، وهذا يعني ان التعبيرات السياسية التي نسمعها على ألسن مسؤولين من حيث المطالبة بالتدخل، او حض المجتمع الدولي على وقف هذه المجازر، أو التنديد بما يجري في القدس وغزة، أمر غير كاف، خصوصا، كما أشرت أن ما يجري يهدد الأردن، مباشرة، لاعتبارات التاريخ والجغرافيا، إذا رغب أحد بتصديق هذا الكلام الذي نقوله.
علينا أن نؤشر أولا إلى أن تعقيد العلاقة الأردنية مع إسرائيل يزيد من حدة المشهد، خصوصا، مع التشبيك السياسي والاقتصادي، في الوقت الذي يتم الاستفراد بالقدس، والضفة الغربية، وغزة، وهذا التشبيك يخفض المساحات المرنة لحركة الأردن، ويجعله محكوما بكلفة كبيرة.
معنى الكلام أن الأردن المجاور لفلسطين، مهدد بسبب المشروع الإسرائيلي، لاعتبارات ترتبط بوضع الديموغرافيا في الضفة الغربية والقدس، وسيناريوهات شطب الوجود الفلسطيني، وتفجير المشاكل نحو الأردن في المشروع الإسرائيلي، ومواصلة إضعاف الأردن اقتصاديا، وخفض سقف دوره الاقليمي والدولي، وربط مصالحه بإسرائيل من الكهرباء، وصولا الى بقية القضايا.
الأردن لم يخرج من المشروع الإسرائيلي، وإن كانت وسائل هذا المشروع اختلفت، ويؤخذ علينا أننا نندد بلغة سياسية، لا تضع في حسبانها ان الوضع في فلسطين، ليس محليا، وحسب بل قابل للارتداد على الأردن، لاعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية.
لقد طولب الأردن مرارا بمراجعة معاهدة السلام، ووقف التشبيك الاقتصادي، أو الاتصالات السياسية مع الإسرائيليين، خصوصا، أنها باتت تخضع للتوظيف الإسرائيلي، بحيث تفعل إسرائيل ما تشاء دون خشية من أي كلفة، على مستوى الإقليم، وهذا أمر مؤسف جدا.
لا يطالب الأردن، بموقف منفرد، لأن الأردن اليوم بات يخضع لتعقيدات العلاقات الدولية، وضغوط واشنطن، والحاجة للقروض والمساعدات، وهذا يعني أننا لا نفترض أن الأردن دولة عظمى في العالم، تستطيع بلورة موقف منفرد، خصوصا حين نرى سلطة رام الله، تتفرج بطريقة محايدة، وغير أخلاقية، فهي سلطة خاضعة للاحتلال، تنفذ المهمات نيابة عنه في الضفة.
لا غطاء عربيا أو دوليا للأردن في أي موقف بشأن ما يجري في القدس، أو كل فلسطين، وهذا يعني ان الأردن مكشوف الظهر هنا، ويتم دفعه باتجاه معادلة صعبة تقوم على أساس التنديد بالاحتلال وفي الوقت نفسه تشبيك العلاقات السياسية والاقتصادية، وهذا معادلة متناقضة.
تحييد أخطار المشروع الإسرائيلي عن الأردن، وفقا للبراغماتيين في عمان، يقوم على اساس المزيد من التشبيك مع الإسرائيليين لرد سهامهم عن هذا البلد، وواقع الحال يقول أمرا ثانيا، ان هذا التشبيك، بات يؤدي الى قيود كثيرة، تمنع من بلورة أي موقف حتى من باب حماية الأردن، إذا افترضنا أن قواعد الجيرة، تفرض رد فعل ما، وإذا أخرجنا قواعد الجيرة من الحسابات، فإن علينا ان نتنبه إلى أن مصالح الأردن المباشرة مهددة، وليست في مأمن أبدا أمام إسرائيل.
تمكن الأردن من تحييد موقعه الجيوسياسي إلى حد كبير من كلفة الانتفاضة الأولى، والثانية، ومن المواجهات التي تجرى كل فترة في القدس وغزة، لكن هذا لا يعني ضمانة دائمة، بنجاح إستراتيجية التحييد مع إعلان التضامن مع الفلسطينيين قي الوقت ذاته، فهذه الاستراتيجية الثنائية قد تأتي فترة وتصير غير فاعلة، على ضوء ما يجري في القدس، وقراءة الاخطار المحتملة.
يقال هذا الكلام لمن يعتقدون أن لا كلفة كثيرة على ما يجري في بلد مجاور على الأردن، حتى قياسا على تأثيرات الملفين العراقي والسوري، على الأردن، والمقارنة بالملفين السوري والعراقي، ساذجة، لأننا ندرك أن الأردن لحقته آثار عميقة من هذين الملفين، تركت حدة على بنيته الداخلية.
حماية الأردن، عبر تشبيك المصالح مع الإسرائيليين، قد لا يؤدي الى النتيجة المرتجاة، بل قد يؤدي الى نتائج أسوأ من المواجهة، والأيام سوف تثبت ذلك، بما يفرض إعادة تقييم كل طريقتنا.