زاد الاردن الاخباري -
الطفرة الكبيرة في إيرادات دول الخليج من بيع النفط بعد ارتفاع أسعاره هذا العام تمثل "الفرصة الأخيرة" لهذه الدول للاستفادة من هذه الأموال، قبل أن يقلص العالم اعتماده على الوقود الأحفوري، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست.
ونشرت المجلة تقريرا أوضحت فيه أوجه الإنفاق المحتملة للفائض الذي حصلت عليه هذه الدول، مستفيدة من الإيرادات الهائلة مع ارتفاع أسعار الخام، بسبب تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كوفيد، وغزو روسيا لأوكرانيا، والمخاطر المحتملة التي ستواجهها لتنفيذ مشروعات ضخمة مثل مشروع مدينة نيوم في شمال غرب السعودية.
وفي الفترة من يناير إلى يونيو الماضيين، ارتفع سعر برميل خام برنت من 80 دولارا إلى أكثر من 120 دولارا (حاليا حوالي 95 دولارا ).
ويتوقع صندوق النقد الدولي حصول مصدري الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى على 320 مليار دولار من عائدات النفط أكثر مما كان يتوقع في السابق، وهو رقم يعادل حوالي 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لديهم، على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ويقول التقرير إن ارتفاع أسعار النفط يزيد القوة المالية لدول الخليج في الداخل والخارج، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق العام وتوجيه الأموال إلى جميع أنحاء العالم.
وتوفر "الأرباح المفاجئة" لهذا العام الفرصة لتصحيح الأوضاع التي ظلت سائدة منذ انخفاض أسعار النفط، في 2014، مثل إجراءات خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب.
وتقول المجلة إن البحرين التي ارتفع الدين العام فيها إلى 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، على افتراض أن النفط سيصل إلى 60 دولارا للبرميل فقط، قد تخفض ديونها بنحو 12 نقطة مئوية هذا العام.
ومن المتوقع أن ينخفض عبء ديون سلطنة عمان بأكثر من 20 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن دولا أخرى مثل السعودية ستسعى إلى توفير أرباح النفط، بدلا من الإنفاق.
ويقول محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، إن أموال النفط لن تمس على الأقل هذا العام، ثم سيتم استخدامها، عام 2023، لزيادة الاحتياطيات الأجنبية وإيرادات صندوق الثروة السيادية.
وستستخدم البحرين أيضا بعضا من فائضها لإعادة تمويل صندوق الاستثمار، الذي استنزفته خلال الوباء.
ومع ذلك، فإن الضغط من أجل الإنفاق سيكون شديدا. وأعلنت الإمارات أنها ستضاعف ميزانية الرعاية الاجتماعية للمواطنين الفقراء من 2.7 مليار درهم إلى 5 مليارات درهم.
وستحصل العائلات المؤهلة على رواتب للسكن والتعليم، بالإضافة إلى بدل لتعويض ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة.
وتستطيع السعودية خفض قيمة الضريبة المضافة التي وصلت إلى 15 في المئة.
ناصر سعيدي، الاقتصادي اللبناني الذي يدير شركة استشارية في دبي يقول: "لديك أداة سياسية لم تكن لديك من قبل.. بدلا من زيادة الإنفاق أو التوظيف، يمكنك خفض ضريبة القيمة المضافة".
لكن يبقى التفكير في مرحلة ما بعد النفط. ويقول مسؤول تنفيذي في صندوق الثروة السيادية البحريني: "بالطبع نحن جميعا سعداء لأن سعر النفط مرتفع، لكن التركيز يجب أن يظل على الاقتصاد غير النفطي".
لكن معرفة ما يعنيه ذلك عمليا ليس بالمهمة السهلة. ويقول بعض مديري الثروات السيادية في الخليج إنهم يواجهون تحديات، لأنهم يهدفون إلى توفير الثروة النفطية للأجيال القادمة، ومع ذلك يُطلب منهم توفير رؤوس الأموال من أجل زيادة النمو غير النفطي، وهي مهمة تنطوي على الكثير من المخاطر، وهي مشكلة تواجه دول الخليج.
ويشير التقرير إلى أن المنطقة مليئة بالمشاريع الضخمة التي يعتبرها "فاشلة" من فترات الازدهار السابقة، مثل الحي الذي أرادت السعودية أن يكون منافسا لدبي، والمليارات التي أنفقتها الإمارات على جزر اصطناعية ولم تنجح، وفشل خططها في أن تكون مركزا لتصنيع أشباه الموصلات ومركزا للسياحة الصحية.
وتقول إيكونوميست إن مدينة "نيوم" تقف على أهبة الاستعداد لاستيعاب جزء كبير من أموال النفط هذه المرة، وتريد السعودية أيضا استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029، ولدى دبي خطة لخلق 40 ألف وظيفة في "ميتافيرس" في غضون خمس سنوات.
وتمنح الطفرة النفطية السعودية المليارات التي ستدفعها إلى المنتجعات ومدن الملاهي في إطار تطوير قطاع السياحة الذي تقول إنه سيكون مركز اقتصادها في مرحلة ما بعد النفط.
لكن لا يستطيع المسؤولون السعوديون تقديم تقييمات مناسبة تؤكد أن 100 مليون سائح سيختارون زيارة المملكة كل عام.
ودعا التقرير دول الخليج إلى التركيز على المجالات التي تتمتع فيها بمزايا تنافسية أوضح، واقترح الاستثمار في تقنيات تحلية المياه، كما فعلت إسرائيل، وتقنيات الطاقة الخضراء مثل الهيدروجين.
ومن المؤكد أن الطفرة ستعيد تشكيل علاقات الخليج مع بقية العالم كما اتضح من رحلة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى جدة، وفق المجلة، التي أشارت إلى الأموال التي تنفقها الرياض لصقل سمعتها في مجالات أخرى، مثل لعبة الغولف، حيث أنشأت بالفعل بطولة منافسة لبطولات "بي جي إيه"، وسباق الفورمولا 1 الذي استقطب نجوم الغناء، مثل جاستن بيبر، وماريا كاري.
وتمنح الأزمة الحالية، التي تعاني منها الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل دول الخليج "نفوذا كبيرا". وقدمت السعودية والإمارات بالفعل قروضا للبلدان الفقيرة على مدار العقدين الأخيرين، ولعبتا دورا في هذا السياق كان مخصصا للاقتصادات المتقدمة والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي.
لكن قد تكون هذه "الفرصة الأخيرة" لدول الخليج، فالبلدان الفقيرة والغنية على حد سواء، تشكو ارتفاع تكاليف الطاقة وهو ما يجل جهودها المبذولة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري أكثر إلحاحا.
ويقول المستثمر الكويتي، علي السالم: "هناك شعور بأن الأيام معدودة.. حالة أوروبا حالية لن تسمح لها أن تكون في هذا الموقف غير الحصين الآن.. الأمر الذي يثير سؤالا: هل الخليج سيفعل ذلك أيضا؟".