سميح المعايطة - من اهم مهمات مؤسسات الدولة العمل بعقل واولويات واحدة للحفاظ على الأردنيين وإبقاء المسار العام للدولة والناس طبيعيا، وقد يبدو هذا كلاما نظريا لكنه على الارض هو الاهم، فالحكومات ومؤسسات الدولة المختلفة عليها واجب الانجاز وحل المشكلات وان لم تستطع، فعليها -على الاقل- عدم ارتكاب الأخطاء او اتخاذ قرارات تغضب الناس او تزيد ابتعادهم.
وحتى ان تم ارتكاب خطأ ما يغضب الرأي العام فإن طريقة المعالجة وسرعة الإجراء ومحاسبة من تجب محاسبته تخفف أثر الخطأ، لكن التردد وغياب المبادرة عند وقوع اي خطأ او تجاوز للقانون يضاعف من اثر الخطأ ويحوله الى ملف سياسي ومصدر استفزاز حتى لمن لا يهتم بالشأن العام.
مثلا الحكومة تراجعت عن قرار زيادة مكافآت أعضاء مجالس المحافظات، وهذا توجه ايجابي، والمعيار ليس في ان هؤلاء الأعضاء يستحقون ام لا، بل المعيار هو الاوضاع العامة التي رفعت كلف المعيشة على الناس، وارتفعت اسعار معظم السلع بما فيها ارتفاعات مشتقات النفط التي قامت الحكومة برفعها بقرار مسبق اربع مرات.
الناس تعاني من كلف المعيشة المتزايدة والحكومة ترفض زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين بحجة عدم توفر الامكانات، لهذا لو قامت الحكومة بالموافقة على رفع مكافآت اعضاء المجالس المحلية لترك هذا أثرا سلبيا جدا على مزاج الناس واستفزهم، لأن الاولى بالدعم هم الموظفون والمتقاعدون.
والعبرة دائما بكل قرار يستفز الأردنيين وخاصة في مجال الانفاق في غير مكانه ولغير اهله، والعبرة ايضا في القرارات الإدارية التي يتم من خلالها تعيين اشخاص في مواقع متقدمة ومؤثرة وهم لا يستحقونها او لاعتبارات لايمكن تفسيرها او تبريرها للناس.
المحافظة على الأردنيين قريبين من مؤسساتهم الدستورية واثقين بها واغلاق ابواب السوداوية يتطلب من المؤسسات الدستورية كافة ان تتعامل بقراراتها بأقصى درجات النزاهة والحساسية، فلا يعقل ان نطالب الناس بتحمل ظروف الدولة الاقتصادية بينما يخرج مسؤول بسلوك كله اسراف وتبذير من المال العام ولا يجد من يوقف قراره او يعدله، فيحصل على نتائج قراره بامتياز او مكسب او تنفيع محسوبين عليه وتخسر الدولة ومؤسساتها من مصداقيتها ومن ثقة الناس بها.
القضية ليست ترفا او امرا يمكن تأجيله بل ضرورة ملحة، فالعصب الحساس عند الأردني هو التجاوز على المال العام بكل الاشكال الإدارية والمالية، أو ان يتعامل اي مسؤول بعنجهية يقفز من خلالها على مشاعر الأردني وصبره.
إذا كانت الظروف العامة تحرم وتمنع المؤسسات الدستورية من تخفيف الاعباء على الناس فعلى الاقل ان تكون القرارات تبرد الأجواء ولا تسخنها ولا تستفز المواطن وتأخذه بعيدا عن مؤسسات وطنه.
واذا كنا نشكو من فئة لا ترى في البلد إلا الامور السلبية ولا تتوقف عند اي انجاز فإن واجب مؤسسات الدولة الا تقدم لهؤلاء هدايا مجانية من خلال قرارات سلبية او تصرفات من مسؤولين عنوانها التبذير والاتفاق غير الراشد او وضع اشخاص في مواقع مهمة من غير اهل الكفاءة، فإغلاق أبواب السوداوية ضرورة لكن من خلال الأداء الراشد واحترام مشاعر الأردنيين الذين نطالبهم بتحمل الارتفاع في كلف المعيشة تقديرا لظروف بلدهم بينما البعض ممن بيده قرار مؤسسة يتجاوز كل الاعراف بقرار انفاق في غير مكانه او اعطاء من لا يستحق موقعا مهما.
على الدولة بكل مؤسساتها التنفيذية ان تحتفظ بالأردنيين عبر الأداء الراشد الذي يشعر معه الأردني ان ما يتحمله يعود بالنفع على الأردن ولا ينقضه قرار من اي مسؤول.