في كل شهر أو اثنين أو نحو ذلك، تندلع حرب على غزة الجريحة. الحرب تكون بمبادرة عادة من إسرائيل أو من أحد الفصائل الفلسطينية في غزة، ولكن ضحيتها الأساسية هي الشعب الفلسطيني الأعزل من مدنيين، يقضون شهداء في ملاحم إنسانية تبكي القلوب. يهب العالم والعرب لهذه الفظائع والتكلفة الإنسانية التي يتكبدها الشعب الفلسطيني، فتبدأ حملات التهدئة والوساطات، التي كان أنجحها في الفترة الأخيرة تلك المصرية بإسناد أردني وفلسطيني من السلطة. تهدأ الأمور من جديد ويلملم الجميع جراحه، ولكن جوهر المشكلة وأساسها الأول لا يجد حلا، فتعود المواجهات للاشتعال من جديد بين فترة وأخرى ويستمر مسلسل المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في غزة.
النزاع الأخير والمواجهات المسلحة كانت مختلفة للطرفين على نحو لافت. بالنسبة لإسرائيل كان الانطباع بالبداية أن الحرب على غزة عبارة عن حملة انتخابية للائتلاف الحاكم، على غرار ما فعل بيريز بعيد اغتيال رابين في حربه على لبنان وقانا، والهدف من الحرب على غزة الآن هو كسب تعاطف الناخب الإسرائيلي ودفعه ليلتف حول حكومته، ولكن سرعان ما أدرك الائتلاف الحاكم أن هذه الحرب سوف تضعف جهوده الانتخابية؛ حيث يحاول جمع الأصوات من اليمين واليسار ومعسكر السلام، وأنه مع استمرار الحرب سوف تزداد التكلفة وتسقط الصواريخ، وتتكثف اتهامية نتنياهو بضعف الائتلاف الحاكم في مواجهة الفصائل الفلسطينية والدفاع عن الأمن، وهي الكلمة المفتاحية لجمهور الناخبين الإسرائيليين. وبناء على كل هذه المعطيات، كان هناك ميول إسرائيلي ورغبة بتطويق النزاع ووقفه.
أما المفاجأة الكبرى فقد كانت من الجانب الفلسطيني؛ حيث تباينت مواقف الفصائل بشكل واضح وفاضح، وظهرت بذور خلاف فصائلي يعلم الله وحده أين ستقف حدوده، فنجد أن الفصيل الأساسي الذي اتخذ قرار المواجهة الأخيرة وسعى لها عبر التصعيد هو فصيل الجهاد الإسلامي المدعوم بشكل علني من إيران، فيما وقفت حماس موقف المساند للأهل في غزة، ولكن بوضوح تعاملت مع النزاع الأخير أنه ليس قرارها وليس ضمن حساباتها، لذلك فهي معنية بالإسناد الإنساني للفلسطينيين وليس بالانجرار خلف قرار الجهاد الإسلامي. حماس ملتزمة بالهدنة التي وقعتها من خلال مصر، وترى بذلك خطا أفضل للاستقرار والنماء في غزة وهي مصالحها الاستراتيجية التي ستحقق لاحقا زوال الاحتلال. موقف لافت جدا من حماس، لم ينجر خلف الجهاد الإسلامي، وحتى مناصرو حماس الكثر في الأردن، تعاطفوا مع الغزيين وليس مع قرار الجهاد الإسلامي خوض حرب غير محسوبة بدقة وتذهب بعكس اتجاه الهدنة. اللافت أكثر أن حماس تذوق من الجهاد الإسلامي الآن ما أذاقته للسلطة الفلسطينية وفتح بالسابق، فما أشبه الأمس باليوم، حيث تريد حماس الهدنة والجهاد تخرج عنها.
حل نزاعات غزة المستمرة ومعاناة أهلها تكمن استراتيجيا في العودة للوحدة الفلسطينية مع الضفة والفلسطينيين والسلطة هناك، وأن تتم مواجهة إسرائيل من قبل الشعب الفلسطيني الموحد تحت قيادة تقرر للجميع وتصعد بقرار مركزي وتهدئ بقرار مركزي أيضا، أما الفصائلية أكانت حماس أم الجهاد أم غيرهما فلم ولن تجلب على الشعب الفلسطيني إلا الوبال.