إذ يكرّم مهرجان الفحيص دولة الدكتور معروف البخيت، فهو تكريم مستحق للشخصية الوطنية وأنموذج القيادة العسكرية والتنفيذية وللفكر الاستراتيجي الوطني، الذي مثّله معروف البخيت، جندياً وقائداً وسفيراً وعضوَ وفدِ سلامٍ، وآمراً عسكرياً ورئيس حكومةٍ مرتين اثنتين، ثم عيناً في مجلس الملك، ومديراً للأمن الوطني ومكتب الملك، ومشاركاً في الهم العام، مفكراً ومحللاً، وصلباً عنيداً في مواجهة دعاة إلغاء فكرة حضور الدولة في حياة الناس.
تكريم البخيت في حياته، وفي مهرجان محترم ذي محتوى فكري، وحضور وطني وعربي مثل مهرجان الفحيص له معنى كبير، وهو من الأمور المفرحة، واحتفاء بالقدرة التي مثلها البخيت، فلاحاً وجندياً وقائداً، حجز مقعده في حياة الأردنيين وفي مؤسساتهم دون غلبة أو مزاحمة في البقاء كشخصية وطنية محترمة.
معروف البخيت شخصية تنتمي لبساطة الحياة الأردنية، وهو قيادي عسكري ينتمي للمؤسسة التي بنت الدولة، وشخصية ذات رأي تتفوق حضوراً وتأثيراً على آراء النخبة المتغربنة، ذو رؤية ثاقبة في القضايا الوطنية والإقليمية، قد واجهت حكومتاه أزمات محلية ضاربة؛ كانت الأولى عندما واجهت حاصل الصراعات المحلية وتحدي الإرهاب والفساد، والثانية عندما واجهت الحراك الشعبي وعناد حركة الإخوان في مغالبة الدولة والتبشير بدرعا جديدة في الطفيلة وأحداث 24 آذار، ومع ذلك خرج من الحكومتين بثروة كبيرة هي نظافة اليد والانحياز للدولة.
قبل الولوج إلى صناديق النسيان، اعتلت منصة مهرجان الفحيص شخصيات محترمة كرمت بحديثها دولة أبي سليمان: طاهر المصري ومازن الساكت وعبلة أبو علبة، وبحضور دولة الرئيس المكرم، حيث كان مساء الفحيص يوثق حديث الشهادات الحية على مسيرة رجل دولة، ومحلل ثاقب، وصاحب بوصلة وطنية بامتياز، حديث مليء بالعواطف، وإن كان فالرجل يستحق، لكنه حديث يوقظ في ثنايا القول والمواقف وثائق شفوية كثيرة كانت قد ارتاحت سابقاً، أو ربما رتبت للصمت بسبات عميق، لكنها في حضرة الروح والشخصية والموقف الذي سطّره معروف الكبير، تبحّرت بمضامينها واستقرأت بأسئلة ذكية، إجابات على ثنايا مخفية عن مصير المواقف والمواقع التي شغلها الرئيس معروف حين كان يقرر في الرابع مصير حكومته إن علا صوت الشارع عليها، واليوم من جاء لا يقرر، والسفير معروف الذي كان يطغى حضوراً على وزراء الخارجية، واليوم هذا أمر مفقود؛ لأن السفراء لا يقدمون آراء وانما يعينون تعويضاً عن خسائر المرحلة، وختاماً للتقاعد، أو حاصل تمثيل العلاقات والجهويات القاتلة.
كان معروف يدون في ذاكرته الكثير، ويسأل الناس حين يقابلهم لأول مرة عن علم آبائهم وأمهاتهم، وكان يتحمل المسؤولية، ويدوّن أجوبة لأسئلته، ويسأل ويتوثق في الليل من كتب ملأت رفوف مكتبته العربية وعالمية المحتوى، فهو لا يحب الإجابات التي تأتي من دون قناعاته، كيف لا وهو أول من كرّم علماء التاريخ، وقال: «ألا يستحق المؤرخ الجليل عبد الكريم غرايبة مقعدا في مجلس الأعيان؟»، وفعلها أبو سليمان، هو، من رأسه لا من شور غيره.
كان معروف ابن الجامعة الأردنية، وابن الجيش العربي، وابن المدرسة الهاشمية في الخلق، وابن القبيلة المحترمة التي قدمت نماذج كثيرة ووفية لوطنها، لكنه كان رئيس وزراء يعرفنا جيداً ويعرف آباءنا.
ختامًا، شكرا للفحيص المهرجان إدارة ومكاناً وجمهوراً وفياً، شكراً للثقافة الرفيعة ومن شارك بتكريم دولة د. معروف البخيت.