زاد الاردن الاخباري -
ينفتح المشهد السياسي الداخلي فجأة على سيناريوهات محتملة ومتعددة لها علاقة بالتوافق العام، نخبوياً، على أن المرحلة تتطلب إجراء جراحة وتغييرات، خصوصاً في الهياكل العليا لمؤسسات الدولة بعد الدورة الاستثنائية الصيفية الحالية للبرلمان، على أمل استدراك الكثير من العثرات وإطلاق مضمون عملي وتطبيقي هذه المرة لمشروع تحديث المنظومة السياسية وتدشين مرحلة العمل مع الأحزاب.
الاعتقاد راسخ بأن المرحلة الجديدة ابتداء من نهاية أيلول/سبتمبر المقبل؛ أي بعد أسابيع قليلة متعددة، قد تحتاج إلى أدوات ورموز متعددة ومختلفة عن سلم الأدوات الموجود حالياً في رئاسة السلطات والمؤسسات، خصوصاً أن الرهان مرجعياً لا يزال في الاتجاه المكثف نحو إطلاق حقيقي لبرنامج تحديث المنظومة السياسية بالرغم من المشكلات التي يواجهها، ليس على صعيد ما يسميه الناقدون والمعارضون بتسمين وتغذية أحزاب الأنابيب الجديدة، لكن أيضاً على صعيد مصداقية الخطاب وانعكاس تلك المصداقية على أرض الواقع.
هنا يلاحظ عضو البرلمان السابق والنشط سياسياً وحزبياً قيس زيادين، مثلاً، بأن جولاته الشخصية مع قطاعات الشباب كشفت عن عوار سياسي لا يمكن تجاهله أو إسقاطه من الحسابات، فبالرغم من الثقة بوجود برنامج حقيقي نحو تحديث المنظومة السياسية وتكريس العمل الحزبي، إلا أن قطاع الشباب الذين يواجههم يومياً زيادين وغيره مفعم بالشكوك.
وهي شكوك لها ما يبررها بكل الأحوال بالنسبة لسياسي وحزبي مخضرم من وزن مروان الفاعوري؛ لأنها أحاطت وهزمت المصداقية في الخطاب الرسمي عدة مرات، خصوصاً بفعل التدخلات الدائمة والمستمرة بالانتخابات، وأيضاً بفعل تدخلات لا أحد ينكرها تحت عنوان دعم بعض الأحزاب الجديدة. في كل حال، الشكوك ليست حلاً منتجاً، لا بل الاستمرار في التعاطي معها -برأي عضو البرلمان الفاعل والنشط الدكتور خير أبو صعيليك – يراكم الإحباط والعدمية.
وبالتالي، تصبح مشكلة من المشكلات الواقعية؛ بمعنى الشكوك، والبقاء في دائرتها يمكن أن يعيق الحركة ويصبح جزءاً أساسياً من الإشكال الحالي، مع الإقرار بأن الحكومة عليها أن تبذل جهداً كبيراً بعد ما كانت محظوظة بتوفير وثائق مرجعية لها قوة معنوية وسياسية كبيرة: الأولى تحت عنوان تحديث المنظومة السياسية، والثانية تحت عنوان التمكين الاقتصادي، وثمة وثيقة ثالثة تحت عنوان الإصلاح الإداري.
الانطباع كبير بهذا المعنى تحت عنوان التكهن وعدم الاستسلام للشكوك، لكن بديل الشكوك، وهو اليقين السياسي، غير موجود، فيما يتصور البرلماني والسياسي محمد حجوج بأن برنامج تحديث المنظومة السياسية هو الاتجاه نحو هذا اليقين بطريقة أو بأخرى، مع التأشير على أن التبدل والتغيير في لهجة الخطاب الرسمي مسألة ينبغي التخلص منها بكل الأحوال.
الأهم أن العديد من المشاريع قيد الإطلاق، ومنها مجلس الأمن القومي الجديد المنتظر، الذي اكتسى صفة دستورية سيادية، وعلى رأسها كيفية تحول الخريطة الحزبية في ظل وجود أكثر من 50 حزباً أصلاً مرخصاً لم تخاطبهم فعاليات ونصوص وثيقة تحديث المنظومة السياسية، وهي تدعم عن بعد وعن قرب أحياناً تشكيلات جديدة.
وعلى المحك والطاولة قرارات في غاية الأهمية تحت عنوان «تجديد الشرعية» في الحالة السياسية الداخلية، ليس لأن الظروف الإقليمية فقط معقدة، لكن لأن القضية الأردنية الأولى إقليمياً، وهي القضية الفلسطينية، تتعرض لكمائن ومطبات وتحولات استثنائية تتطلب جاهزية في الضفة الشرقية؛ أي في الأردن، للتعاطي معها ولتجنب تداعياتها السلبية على الأقل خلافاً لأن الوضع الاقتصادي الصعب يحتاج إلى نمط من تجديد الشرعية.
ومن هنا تقفز السيناريوهات الجديدة والبديلة، فمعنى كل هذا الكلام أن في الأفق أيضاً قرارات مهمة، من بينها على الأرجح تحديد مصير الحكومة الحالية، وترسيم ما إذا كانت قابلة للطي والتغيير، أم لإعادة تفويضها وتكليفها حتى يتسنى لها إنتاج حالة جديدة، مع أن خيار التعديل الوزاري قد لا يكفي لمعالجة المشكلات الحالية.
ومن بين القرارات التي ينبغي أن تكون على الطاولة الآن أيضاً ترسيم الشكل التشريعي للقوانين المطلوبة في دورة عادية مقبلة للبرلمان، وسط الاعتقاد بأنها قد تكون الورقة الأخيرة للبرلمان الحالي، حيث تنتهي هذه الدورة مع نهاية الربيع المقبل عام 2023 وبصورة توحي بأن عاماً كاملاً بعد تحديث المنظومة والسماح بترخيص أحزاب جديدة وبالتالي فرصة الخيار بالدعوة إلى انتخابات جديدة بناء على متطلبات تحديث المنظومة، هو أمر وارد للغاية.
وعليه، يمكن القول إن الدورة العادية المقبلة للبرلمان قد لا تقف عند حدود سيناريو انتخابات مبكرة، لا بل ستحسم وتحدد شكل الحكومة وهوية رئيسها، سواء بقي الرئيس الحالي الذي اكتسب خبرة كبيرة اليوم الدكتور بشر الخصاونة، أم لجأت المرجعيات إلى خيار مختلف.
بقاء الأمور كما هي قد لا يبدو أو يكون هو الخيار المناسب، خصوصاً أن مركز الدولة اليوم ومركز القرار لديهما وثائق معلنة وتم وعد الجمهور بالتعاطي معها، سواء بعنوان تحديث المنظومة أو التمكين الاقتصادي، وإن كان الانتقال إلى مستوى الخطوات التنفيذية على الأرض من أجل هذه الوثائق يحتاج إلى فريق جديد بدماء جديدة ومختلفة، إضافة إلى توفير حيز في عقل الدولة وليس في مؤسساتها ومساحاتها البيروقراطية فقط لنمط التفكير الجديد.
وهنا تبرز اعتبارات في غاية الأهمية، واحدة منها لها علاقة بقطاع الشباب وكيفية إقحامه بالتفاصيل الجديدة، وأهمها له علاقة بمؤسسة ولاية العهد ودورها في تنميط وتأطير ودعم وإسناد تجربة التحديث الجديدة.
المرحلة مهمة، والأسابيع القليلة المقبلة في المشهد السياسي الأردني الداخلي مفتوحة على كل الاحتمالات.