قبل محاولة الإجابة عن السؤال، اسمحوا لي أولا بالتحدث عن وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات، متمنيا أن يكون كلامي محايدا وبعيدا عن المدح والاستعراض، وذلك لأن الإجابة عن السؤال في العنوان، تتقصى نموذجا سياسيا مطلوبا في إدارة الشأن العام.
المهندس الحنيفات؛ شاب من محافظة الطفيلة، عمل في القطاع الخاص ولحسابه الشخصي، وكان ناجحا في عمله، لكنه دخل غمار السياسة من بوابة شعبية، حيث تم انتخابه أكثر من مرة رئيسا لبلدية الطفيلة، فحقق نجاحات التقطها الناس والدولة، فأصبح وزير دولة، ثم تولى حقيبة الزراعة في حكومة د هاني الملقي، وقدم جميلا في الفترة الوجيزة التي شغل فيها موقع الوزير، حيث تم تكليفه بالوزارة ثانية في حكومة الرزاز، وما لبث أن غادر الموقع بعد تعديل على حكومة الرزاز، وتوقفت جهوده التي كانت متميزة واعدة بمثل هذه النتائج لو استمرت في تلك الفترة، وما لبثنا طويلا حتى خيمت على العالم جائحة الكورونا، فشكلت تحديا استثنائيا، لم تحسب حسابه الدول النامية ولا المتقدمة، فاستبق جلالة الملك الجميع، وبادر وأعطى توجيهات للحكومة بضرورة الاهتمام بالغذاء، فالجائحة وجهت أقوى ضرباتها للعالم في مجال انتاج وصناعة ونقل وتأمين الغذاء، وتجلت عندئذ أهمية مبادرة وتوجيهات الملك وصوابها، فاكتشفنا أن حاجتنا لتأمين الغذاء وديمومته، تحتاج سياسة وخططا واضحة قبل حاجتها لموارد، فالموارد و»السواعد» موجودة، لكنها تحتاج لإدارة وبرنامج عمل لتحقيق تنمية ونهضة مستدامة، وهنا برزت الجهود السابقة لوزير الزراعة المهندس الحنيفات، حيث كانت تظهر فيها سمات الخطة المتكاملة، الهادفة لتغيير ثقافة زراعية واشراك كل القوى المؤثرة في هذا المجال، بتنميته وتطويره وإزالة الاشتباك الموروث مع القطاعات الأخرى، الذي كان سببا في تباطؤ بل وتقهقر الأداء في قطاع الزراعة.
الخطة الواضحة، القابلة للمساءلة في أي وقت، والمبنية على مراحل و»توقيتات» تفصيلية، وتأمين الدعم المالي لضمان تنفيذها بحذافيرها، هي الفكرة الملكية والرسالة الكبيرة، بل الثقافة السياسية المطلوبة في كل شؤون الدولة، ولو دققنا النظر في أداء جلالة الملك منذ فترة كورونا، لوجدناه منسجما مع استراتيجية «البرنامج والخطة المحسوبة»، ولا أقول في مجال الزراعة وحدها، لكن ثمة مجالات أخرى يتابعها الملك في كل مراحلها، ويقدم فيها وجهة نظر، ويصوب مسيرتها حال تباطؤها أو حيودها عن الهدف الأكبر.
قدم وزير الزراعة خطته المتضمنة عدة مراحل لتنفيذها خلال الفترة (2022 – 2025)، وقام جلالة الملك بإطلاقها مع بداية عام 2022، ولمزيد من الـ»جدية» والشفافية، تضمنت الخطة مراحل، يجري الاعلان عند نهاية كل مرحلة عما تم تنفيذه منها، وقد انتهت المرحلة الأولى خلال الربع الأول من هذا العام، وقدم وزير الزراعة انجازاتها المعلن عنها سلفا، ونسبة نجاح وزارة الزراعة بتحقيقها، فكانت علامة النجاح فوق 100%، ثم انطلقت المرحلة الثانية الموقوتة أيضا على الربع الثاني من هذا العام، وتم عرضها لجلالة الملك، وقد حققت كل الخطوات المطلوبة، وهذه هي النتائج التي يريد أن يراها جلالة الملك وكل الناس في أداء الحكومات ومؤسساتها وقطاعاته المختلفة.. هاتوا خطة واضحة و»ممكنة»، وخذوا الدعم المالي المناسب، وبعد كل مرحلة قدموا نتائجكم واخضعوا لتقييمات، ثم خذوا تغذية راجعة، واستمروا بالعمل.
الجديد اليوم على صعيد الخطة الوطنية للزراعة المستدامة يكمن في التوجيه الملكي الجديد، الذي طالب الملك خلاله بـ»تسريع تنفيذ الخطة»، وهذا ليس سببه فقط النجاح الذي تحققه الخطة المعلنة، بل أيضا هناك «همّ» ملكي واضح متعلق بالغذاء واستمرار تأمينه، وهو أيضا مرتبط بأحداث عالمية وكونية، فيها حروب كبيرة دائرة، وأخرى مرشحة للانطلاق، وفيها مظاهر بل ربما كوارث طبيعية متعلقة بالمناخ، فأوروبا التي تنتج نسبة كبيرة من الغذاء، تعرضت هذا العام لجفاف ناجم عن اختلال في المناخ، وفيها حروب عسكرية واقتصادية تهدد بنقص انتاج الغذاء وصعوبة تصنيعه وشحنه للدول المستهلكة، وهذه تحديات كبيرة يحاول جلالة الملك استباقها قبل أن تضرب من جديد في منطقتنا وبلدنا، الذي ينوء تحت سلسلة من الأزمات والتحديات و»التهديدات» ..
متى نشاهد خططا «محسوبة» في القطاعات الأخرى، ونتابعها لنلمس أداء وإنجازا كما نلمسه في الزراعة؟ وهل حقا ستتضافر كل الجهود حتى نصل ذلك «اللوكيشن» من الأمان؟!.