أتفهم تماما اطلاق استراتيجيات وخطط وبرامج عمل لكل وزارة أو مؤسسة حكومية، غالبيتها قصيرة المدى لنحو 3 سنوات وأخرى متوسطة المدى لنحو 5 سنوات والقليل منها بعيدة المدى لنحو 10 سنوات ... لكن هذا أتفهمه في الماضي وفي حكومات خلت .. وقد اعتدنا أنه كلما جاءت حكومة ألغت أو تجاوزت أو ركنت ما سبقها من استراتيجيات وخطط وبرامج لتعيد صياغة منظومة جديدة ..وهكذا !!
لكن ما أحتاج لتفهمه والبحث عن اجابات عليه هو الاستمرار باطلاق خطط واستراتيجيات وبرامج بعد اطلاق رؤى التحديث الثلاث منظومة التحديث السياسي + رؤية التحديث الاقتصادي + وخارطة طريق تحديث القطاع العام ) والتي يفترض ان تكون مظلة لجميع الخطط والبرامج والاستراتيجيات ، وتكون ( الرؤى الثلاث ) في معظمها عابرة للحكومات ، وأن تجتهد كل حكومة بوضع برنامج تنفيذي لأولويات تلك الرؤى التحديثية.
اليوم لدينا - على سبيل المثال - رؤية تحديث اقتصادي لكل قطاع ( حتى العام 2033) ... ومعظم القطاعات لديها استراتيجية عمل ( غالبتها حتى العام 2025 .. بالاضافة الى برنامج اولويات عمل الحكومة الاقتصادية ( 2021- 2023) .. وننتظر برامج تنفيذية للحكومة للسنوات المقبلة.
حتى (لا يعيق كثرة الازدحام الحركة ) وحتى لا تعيق كثرة الاستراتيجيات والخطط والبرامج التنفيذ على ارض الواقع ، لا بد من التشبيك بين كل هذا الكم من الخطط والبرامج ، ويجب اعتماد الرؤى الثلاث كمظلة (للدولة) تسير على خطاها جميع (الحكومات) وفق برنامج تنفيذي موحّد ، وعلى مراحل تماما كما هو الحال في رؤية التحديث الاقتصادي التي أشارت الى مراحل ثلاث: (قريبة - متوسطة - وبعيدة المدى) خلال السنوات العشرالمقبلة .. وتماما كما أشارت خارطة تحديث القطاع العام ببرنامجها التنفيذي في مرحلتها الاولى( 2022- 2025) .
من المهم جدا تبسيط الامور من أجل تسهيل التنفيذ وتقليل التقاطعات بين كل هذه الاستراتيجيات والتي راعتها تماما «رؤية التحديث الاقتصادي « حين جمعت على طاولات ورش العمل جميع الجهات المعنية من القطاع العام والخاص والاكاديميين والخبراء والاعلاميين ، وجميع الجهات المعنية لتضع تصوراتها ولتقوم في نهاية المطاف وقبل الاعلان عن مخرجاتها بالتشبيك بين مختلف القطاعات وبرامجها وخططها من أجل توحيد العمل ... الذي أخشى أننا عدنا في قطاعات معينة لتجزئة العمل وتشتيت الأولويات .
لن أشير الى قطاع بعينه (خشية سوء الفهم ) لكن ما اقوله ينطبق على معظم -ان لم يكن جميع القطاعات - .. فلدينا استراتيجيات وخطط وبرامج في الطاقة والسياحة وتكنولوجيا الاتصالات والتعليم والزراعة والنقل والشباب ...الخ .. فمن أين نبدأ ؟ وما هي أولويات العمل ؟ وماذا نعتمد ؟ واذا كان المضمون واحدا أو موحّدا فلماذا التشتيت واختلاف المسميات ؟
اليوم أصبح لدينا جهات متابعة وادارات ووحدات تتابع منظومة التحديث الاقتصادي ( في الديوان الملكي ولدى الحكومة ) ..والاداري من خلال أربع لجان وزارية تتفرع عنها نحو (22 ) لجنة قطاعية ووحدات متابعة في كل وزارة ومؤسسة حكومية لضمان حسن التنفيذ .. فماذا ستتابع هذه اللجان ؟ الرؤى ؟ ام الاستراتيجيات ؟ ام الخطط والبرامج؟
..وكما نظرت لجنة تحديث القطاع العام الى هيكلة الوزارات والمؤسسات واقترحت الغاء وزارات ، واستحداث اخرى جديدة ،ودمج بعضها ، والحاق ادارات بوزارات غير ما هي عليه الآن.. اعتقد من المهم أن تنظر بموضوع توحيد الخطط والاستراتيجيات والبرامج تحت مظلة «الرؤى الثلاث»، لتبسيط الاجراءات وتوحيد خطط العمل وتسهيل المتابعة وتوحيدها والتنسيق بين مختلف القطاعات .. وحتى لا تبقى كثير من خططنا وأعمالنا أشبه بالعزف المنفرد بدلا من «اوركسترا « متناغمة سلسة تعزف لحنا يطرب المواطن بواقع خدماتي ملموس على ارض الواقع، ينهض بالاقتصاد ويحسّن الخدمات ويرفع معدلات النمو ويجذب الاستثمارات ويكون قادرا على خلق مليون وظيفة خلال السنوات العشر المقبلة ... وحتى تتحقق تلك التطلعات لا بد من توحيد ودمج وتشبيك كل ذلك في «رؤى التحديث الثلاث» .