في امريكا الصحف الورقية تزدهر.
وفي فرنسا الارقام تقول ان الصحف الورقية بعد كورونا ازداد توزيعها وان اللموند تحتل المرتبة الاولى بين الصحف الفرنسية والاوروبية بالتوزيع.
وفي بريطانيا والهند وماليزيا، واستراليا الصحف الورقية تزدهر، وتنمو، ويعود بقوة توزيعها واقبال الجماهير على متابعتها.
شخصيا وأنا ابن المهنة، ومن اول ما ولدت الصحافة الرقمية والسوشل ميديا لم التفت لما يقال عن موت الصحافة الورقية.
نعم، الصحف الورقية نحرت وذبحت طعنت من الخلف، وسال دمها، ودمها وزع بين القبائل، والمخفي اعظم كان من وراء كواليس استهداف الصحافة الورقية، واستهداف مؤسسات الاعلام الوطنية العريقة.
وما تعرضت اليه الصحف اليومية مازالت ليس بريئا، ولا يخلو من اجندات مشبوهة يحملها اصحاب قلوب سوداء ضد الصحافة والاعلام الوطني.
في مسألة الصحف الورقية ليس مهما الصدور الورقي وعدا ذلك، ومن جهة نظري الاهم هو الانضباط المهني والموضوعي الصحفي.
بل ان الامر يتعدى الى حماية منابر اعلام وطنية، ومؤسسات ومنابر خالية الطرف والسريرة، وايمانها المطلق منحاز الى الدولة والوطن، ولا تربطها اي اجندات هنا او هناك، وتخدش مهنيتها ومصداقيتها باي جرح وثالوب.
سمعنا في عالمنا العربي من لبنان وسورية ومصر وتونس عن اغلاق صحف ورقية. اختفى الورق، ولكن حبر صحفييها مازال يسيل على اسطح وجدران الميديا الجديدة.
في صراعية تاريخية ما بين القديم والجديد.. ويبدو ان التطور الرقمي وثورة الاتصالات وشدة تسارعها، وهبوطها الاضطراري على مجتمعات غير جاهزة و مهيئة دفع كثيرين الى الانقلاب على كل ما هو كلاسيكي وعريق واصيل دون التنبه الى الاصول والبدايات، وان ما وصل اليه العالم من تقدم وتطور بحثي وتقني ورقمي ليس وليد اللحظة والصدفة، بل هو بفعل تراكمي وطني وانساني.
ولادة التلفزيون لم تكن نهاية الراديو، وكذلك ولادة السينما لم تكن نهاية المسرح، وولادة الكاميرات الرقمية لم تكن نهاية التصوير الفوتوغرافي،الذهاب الى المتاحف محفوف بقوانين ومعايير تاريخية، وليس حرق واستهلاك مراحل على طريقة العقلية العربية.
واللافت ان مستهلكي التكنولوجيا اكثر انقلابا على الاصول والتراتبية، ومندلقين نحو حرق المراحل، واكثر الدول تقدما وازدهارا في العلم والتصنيع والبحث العلمي تتدرج رويدا، وبخطوات حلزونية وسلحافية نحو الامام ونظريات الاستبدال والتغير، وكما لو انهم يعبرون عن خوف وقلق جمعوي من كل وليد جديد.
الاخبار القادمة من دول الغرب عن الصحف الورقية وعودة ازدهارها تطرح اكثر من سؤال امام من اعلنوا وفاة الصحف الورقية، واعلنوا عن قطيعة وطلاق بالثلاث مع الصحف الورقية.
و لا اعرف ماذا يمكن ان يقولوا؟ ارتدي الساعة الكلاسيكية، وفي هاتفي الخليوي والحاسوب واللاب توب ساعة رقمية دقيقة، ولكني لا اثق الا بعقارب ساعة اليد.
اجدنا الاستهلاك واحترفنا بتخلف في حرق مراحل التحول، وانقلبنا على ذاتنا وشوهنا الاصول والمراجع، وغدونا اليوم.. كالغراب اللي قلد طاووسا يختال في مشيته، وبعد زمن طويل لم يستطع ان يتقن مشية الطاووس، وقرر ان يعود الغراب الى مشيته الاصلية الا انه نسيها ولم يعد يتقنها.