زاد الاردن الاخباري -
وزعت وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية نص خطبة يوم غد الجمعة الموافق 26-08-2022م على خطباء المساجد في المملكة .
وتاليا نص الخطبة :
عنوان خطبة يوم الجمعة الموافق 26-08-2022م ( الورع وترك الشبهات قيمة إسلامية عظيمة ) __________ الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
إن من أجلِّ القيم وأعظمها ما أورث في القلب تقوى الله عز وجل، وأدى إلى سلوك الطريق القويم في الدنيا، والفوز والنجاة عند الله تعالى في الآخرة، ومن هذه القِيم أن يتزين بها المسلم خُلق الورع، الذي يتجلى به تعظيم قدرِ الله عزّ وجل في القلوب، وصلة المحبة بين العبد وربه، وقد عرّفه العلماء بأنه المجانبة لكل ما كره الله عز وجل من مقال أو فعل بقلب أو جارحة، والحذر من تضييع ما فرض الله عز وجل عليه في قلب أو جارحة، يقول تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات: 40-41. والورع هو الذي يحجز النفس عن الوقوع في شبهات الباطل، وهو السياج المتين الذي يحمي المؤمن من مزالق الشيطان ومكائده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» متفق عليه، فيبين الحديث الشريف بأن الأحكام تنقسم إلى ما هو حلال أو حرام بينان لا شكّ فيهما، وأن هناك منطقة تتوسط الحلال والحرام، لا يعلم حكمها إلا العلماء الذين قال الله تعالى فيهم: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء: 83، والورع يقتضي من المسلم أن يجعل مسافة أمان بينه وبين المحرمات حتى لا تزل قدمٌ بعد ثبوتها، قال سفيان بن عيينة: "لا يصيب عبد حقيقة الإيمان؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال، وحتى يدع الإثم وما تشابه منه". والحق أن لخُلق الورع معارج ترتقي بها نفس المؤمن ومدارج يسلكها من أراد الوصول إلى مقام التقوى ومحبة الله تعالى ورضوان، ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، وأن يجاهد النفس للوصول إليها، وأول هذه المعارج، التحلّي بالورع في حضرة الله عزّ وجل، ويكون ذلك بتعظيم قدر الله تعالى في النفوس، والإخلاص بالعبادة له سبحانه، والابتعاد عن الشبهات التي يوسوس بها الشيطان على النفس، فإن ذلك من صفات المؤمنين الذي قال الله تعالى في حقهم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال: 2، وكذلك الورع في جناب النبي صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك بمحبته وتعظيم قدره واتباع نهجه وسنته، والاقتداء بهديه الشريف، وكمال الأدب معه، وهو ما أمرنا به الله عزّ وجل بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الحجرات: 2. ومن مقامات الورع أن يعظّم المسلم شعائر الله عز وجل لأن ذلك دليل على تمام التقوى، يقول سبحانه وتعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج: 32، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ» المستدرك على الصحيحين، فالعبادة مع الورع تؤدي إلى حضور القلب، وخشية الله عز وجل، والإخلاص في القول والعمل. وكذلك أن يعظم المسلم حرمات الله عز وجل يقول الله سبحانه: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) الحج: 30، فصاحب الورع لا تمتد يده إلى مالٍ أو طعام فيه شبهة حرام، ولا تنظر عينه إلى حرام، ولا تستمع أذنه إلى مُنكر أو غيبة ونميمة، وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة في التعفف عمّا فيه شبهة، فيقول صلى الله عليه وسلم: "واللَّهِ إنِّي لأَنْقَلِبُ إلى أهْلِي فأجِدُ التَّمْرَةَ ساقِطَةً علَى فِراشِي، أوْ في بَيْتِي، فأرْفَعُها لِآكُلَها، ثُمَّ أخْشَى أنْ تَكُونَ صَدَقَةً، أوْ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأُلْقِيها" صحيح مسلم، وكذلك ينبغي على المسلم ألا يقدم على قول أو فعل فيه شبهة مهما بدى في نظر صاحبه صغيراً، فإن الجرأة على الشبهات يقود إلى الوقوع في الكبائر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ " مسند الإمام أحمد، ويقول بلال بن سعد الواعظ: "لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر لعظمة من عصيت". ويزداد خطر الوقوع في هذه الشبهات إن كانت تؤدي إلى الإخلال بأمن المجتمع والعبث باستقراره كنشر الشائعات المبنية على الوهم والظنّ دون التحقق والتثبت، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» سنن الترمذي. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الورع من الفطرة السليمة وحاجز الهيبة الذي ينهى عن الإقدام في المعاصي، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هتك هذه الاستار والانحراف عن الصراط المستقيم، لأن ذلك يؤدي إلى الجراءة على المعاصي حتى تصبح طبعاً وعادة، فتُهلك صاحبها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَعَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ، قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنِ فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ " مسند الإمام أحمد. ألا وإن من مقامات الورع العالية تخلق المسلم بهذا الخلق العظيم في التعامل من الناس جميعاً، بالابتعاد عما يؤذيهم من الأقوال والأفعال، وأن يتورع عن اتهام الناس بالباطل، أو تحقيرهم، أو الإساءة إليهم والخوض في أعراضهم بالغيبة والنميمة، يقول الله تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) النور: 15، بل إن مقام الورع يقتضي من المسلم أن يعامل الناس بالحُسنى والأخلاق العالية، يقول تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت: 34، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرةَ: كُنْ وَرِعًا تَكُنْ من أَعْبَدِ الناسِ، وارْضَ بما قسم اللهُ لكَ تَكُن من أَغْنَى الناسِ، وأَحِبَّ للمسلمينَ والمؤمنينَ ما تُحِبُّ لنفسِكَ وأهلِ بيتِكَ، واكْرَهْ لهم ما تَكْرَهُ لنفسِكَ وأهلِ بيتِكَ تَكُنْ مؤمنًا، وجاوِرْ مَن جاوَرْتَ بإحسانٍ تَكُنْ مُسْلِمًا، وإياكَ وكثرةَ الضَّحِكِ؛ فإنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ فسادُ القلبِ" سنن الترمذي.
الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران : 102.
عباد الله : إن مع وجوب حرص المسلم على خُلق الورع عليه أن يبتعد عن الرياء والتنطع في الدين والتضييق على النفس في المُباحات، أو إجهادها في العبادات، وهو ما يُسمى بالورع الكاذب، وهو ما شابه الرياء وتجرد عن الإخلاص، وهو ما يؤدي إلى التشدد في الدين، والتطرف في الأفعال والأقوال، وقد ورد في الحديث أنه جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهِم، فَقالَ: "أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي" صحيح البخاري. عباد الله: وإن من تمام الورع المواظبة على ذكر الله عز وجل فلا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس حيث قال: لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،21 :87) 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا ((سبحان الله وبحمده)) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، (رواه البخاري).