سلامة الدرعاوي - شهد الأردنّ ارتفاعاً في رصيد الدين العامّ المستحقّ خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بنسبة 1.2 % إلى 29.07 مليار دينار (41 مليار دولار)، مقارنة مع 28.7 مليار دينار في نهاية 2021.
الدين الداخليّ أيضاً ارتفع في نهاية أيّار الماضي وبلغ 13.8 مليار دينار والدين الخارجيّ بلغ نحو 15.2 مليار دينار، وبهذا تصل نسبة الدين العامّ الأردنيّ إلى 88.6 % من الناتج المحلّيّ الإجماليّ .
طبعاً هذه النسب والمديونيّة بالأرقام المطلقة تستثنى منها ديون صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعيّ والبالغة نحو 7 مليارات دينار، حيث إنّ وزارة الماليّة كانت قد أعلنت مطلع العام الماضي عن تغيير منهجيّتها في احتساب دينها العامّ بالاتّفاق مع صندوق النقد الدوليّ، بحيث يتمّ استثناء ديونها من صندوق الضمان، واعتمدت الحكومة مفهوم دين الحكومة العامّة، والّذي يعتبر الدين من صندوق استثمار أموال الضمان والبلديّات والهيئات المستقلّة ديناً من مؤسّسات تابعة للحكومة، ولو احتسبنا إجمالي الدين لارتفعت النسبة إلى ما يقارب الـ111 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسب مرتفعة جدا يتطلب الوقوف عندها والبدء بتنفيذ إستراتيجية واضحة لتخفيضها.
بغضّ النظر عن آليّة احتساب الدين، فالأمر لا يعدو كونه عمليّة محاسبيّة بحتة، فالدين يبقى دينا والحكومة ملتزمة بكلّ ما عليها من ديون سواء داخليّة أم خارجيّة، وهي تقوم بالسداد دون أيّ تأخير.
بعض الديون الداخليّة لا بدّ من تسليط الضوء عليها، فصحيح أنّ إجماليّ رصيد الدين الداخليّ باستثناء ديون صندوق الضمان تبلغ (موازنة ومكفولا) 20.5 مليار دينار، فهناك قطاعات اقتصاديّة تطالب الحكومة بأموال كبيرة منذ سنين مثل المقاولين والمصفاة وشركات الأدوية الّتي لوحدها بلغت مديونيّتها على الحكومة لغاية شهر تمّوز ما يقارب الـ370 مليون دينار، وعلى الأرجح أن ترتفع إلى 420 مليون دينار مع نهاية العام.
هذه الأموال معلّقة منذ سنوات عديدة، وقد ساهم تأخّر سدادها في إلحاق خسائر بتلك الشركات أو توليد ضغوط ماليّة عليها، فالشركات الّتي تقدّم السلع للحكومة تعاني اليوم من ضغوطات ماليّة كبيرة نتيجة تأخّر السداد، فبعضها دخلت فعلاً في مرحلة الخسائر، والبعض الآخر غير قادر على التوسّع بسبب نقص السيولة، وآخرون خرجوا من السوق وهكذا المشهد بدا مرتبكاً بالنسبة للمتعاملين مع الحكومات بواسطة العطاءات المختلفة.
استمرار هذا المشهد الإعساريّ لهذه الشركات سيؤدّي حتماً إلى خروجها من السوق وتعرّضها لخسائر كبيرة، لذلك لا بدّ من تحرّك حكوميّ لمواجهة هذه الأزمة الّتي هي بالأساس أزمة تتعلّق بذات المشهد الماليّ للخزينة الّتي تتعرّض لضغوطات هي الأخرى بسبب ارتفاع الإنفاق وتحدّيات داخليّة وخارجيّة ساهمت في تنامي المديونيّة.
إنقاذ هذه الشركات مسألة جدّاً مهمّة لاستمرار تدفّق الخدمات للقطاعات الرسميّة المتنوّعة، فأي عمليّات نقص في إمداد بعض السلع سيكون له تداعيات خطيرة في المشهد العامّ.
لا يجوز للحكومة التأخّر عن الدفع لمستحقّيها من هذه الشركات حتّى لو لجأت إلى دين جديد لسداد هذه الشركات بالكامل، فالأمر لن يغيّر بالمشهد الحسابيّ شيئاً بالنسبة للدين، فهو يبقى ديناً على الحكومة بغضّ النظر عن شكله واحتسابه.
سداد دين الشركات بغضّ النظر عن قطاعاتها سيكون له مردود اقتصاديّ إيجابيّ في تعزيز قدرات هذه الشركات على التوسّع الاستثماريّ والتوظيف وخلق سيولة جديدة بالسوق وسيكون للخزينة نصيب منها من خلال الرسوم والضرائب المختلفة.
التأخير في السداد يعني مزيداً من الخسائر والضغوط الماليّة على هذه الشركات، وبالتالي ستكون هناك تداعيات سلبيّة على الاقتصاد الوطنيّ بضعف أو خروج لاعبين منه، فالاقتصاد بأمسّ الحاجة لاستمرارهم وتوسّعهم في المرحلة المقبلة.