حسن محمد الزبن - أي حكومة سياسية أو اقتصادية في الدولة الأردنية، معنية بإدارة الدولة بكل اجهزتها ومؤسساتها في كل الاتجاهات بإحترافية وحاكمية، وعليها أن تعزز العلاقة فيما بينها وبين البرلمان بشقيه الأعيان والنواب ضمن الدستور، وعليها أن تكون ملمة بقرارات تفصيلية للملف السياسي والاقتصادي، وأن لا تأخذها المواقف والمفاجأة، فيرتبك أداؤها وتهتز صورتها أمام الرأي العام.
أعتقد إن أي حكومة يجب عليها أن تكون جاهزة على مدار الساعة للقيام بواجباتها، وتناول كل المواضيع التي تطرح أمامها، وتكون جاهزة للرد على أي إشاعات تحاصرها، وأي إشاعات تمس سيادة الدولة، أو أي ديناميكيات أو تحولات طارئة، لكن بشفافية وبالحجة والبرهان، لإقناع الرأي العام الذي تشكلت عنده قناعات سابقة لبعض ما يحدث داخل الوطن أو له علاقة بعلاقاتنا مع الجوار، فالغياب عن الواجهة، وعدم المواجهة، او عدم المكاشفة، يزيد من الفجوة بين المواطن والحكومة، والتأخر أيضا يقود للارتباك في الشارع، وعدم توازن صورة الحكومة، وخلق ازمة ثقة، والمسئولية تحتم الاشتباك سلميا مع الشارع، والدخول في دائرة الإقناع بحقيقة التفاصيل لكل حالة تطرح أمام الحكومة، تزامنا مع طرحها في الفضاء الأردني، الذي أصبح يتسم بمزاج عكر، ومشوش، ويحتاج حقائق وإجابات مقنعة دون مكيجة للمواقف والصور المهتزة، والتي يحيطها الضبابية والتشكيك، فالأيام كفيلة بكشف الحقائق وإن تأخرت.
فالضعف يعني الإختباء أو التواري عن الشارع الأردني، أما الاعتذار عن الأخطاء قد يبني محطات من الثقة، فكل مؤسسة مسؤولة عن أخطائها أمام الرئيس الذي يدير دفة الحكومة، وعليه واجب المساءلة والمحاسبة مما يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، ويقوي العمل في التشريعات والقوانين التي اجتهد المشرع في وضعها طريقا للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري، مما يصب في المصالح الوطنية، ولم يعد متسعا لمزيد من موجات النقد المحمل بلهجة التجريح للسياسة العامة للدولة، ويجب أن نحصنها وننأى بها عن أي إرباك يؤثر على الاستقرار عامة، ويجب التعامل مع كل قوى المعارضة على أنها امتداد للمواطنة الصالحة حتى يثبت عكس ذلك، ولا بدّ من التعامل مع القوى السياسية وبرامجها بميزان واحد، فصفحة الوطن مفتوحة للجميع، ولم يعد هناك مجالا إلا للوضوح في الرؤية التي تخدم الجميع، وتخدم المسيرة والنهج للدولة، في ظل قصور أداء بعض الحكومات التي أوجدت وخلفت وراءها مزيد من عدم الثقة في ظل تزاحم الوعود بتحسين الأداء العام، لكنها أخفقت في تحقيقها، وعمقت رواسب صعب التخلص منها إلا بمضي وقت طويل من المعالجة.
ويجب أن تدرك الحكومات أن جيل الشباب اليوم مختلف عن جيل الأمس، هذا الجيل يعرف كل شيء، ويرفض الاملاءات والتلقين، لأن النهج السابق لا يتوافق مع أفكاره، ولا ينسجم مع لغته الحداثية، فهو جيل لا يعرف إلا لغة الحوار والاقناع، فإذا نجحت الحكومات في تعزيز هذه الثقة فإن الأمر محسوم مجتمعيا ومؤسساتيا، وهذا يتطلب أن تحسن الحكومات القياس بمسطرة العدالة والنزاهة والاحتكام للقانون.
فتمكين الشباب والمجتمع يعني أننا قادرون على تجاوز الازمات ، بل أننا نملك القدرة على استباق الاحداث، والتكيف معها بما يلائم الدولة والشعب معا، وبهذا نجفف منابع التخوين، ونمنع حواضن التطرف بإنعاش عجلة الاقتصاد، والحد من الفقر والبطالة، وتسخير الطاقات لأجل ذلك، والكل يدرك حتى صناع القرار في الدولة، أن الثقة بالحكومات ومؤسسات الدولة لم تعد كالسابق، بل تراجعت وهي الآن تحت المحك من جديد، بانتظار النتائج التي ستؤول لها الأمور بعد تحديث المنظومة السياسية بالكامل، ونأمل من الحكومات أن لا تتوارى عن الأعين وتبقى حاضرة بين الناس، وأن لا تعزل نفسها في غرفها المغلقة، بعيدا عن الهمس والأصوات والضجيج في الشارع.
نحتاج إلى ثقافة جديدة مدعومة بسلوك ديمقراطي معاصر، يعزز دور الأحزاب السياسية، يفضي إلى إنشطار الديمقراطية الاردنية الحديثة التي يستوعبها الجيل القادم ونسعى إلى بلورتها وتعزيزها باحترام سيادة الدولة، والإلتزام بالقانون، واحترام الفرد والمجتمع، وتدشين كل الأعمال باتجاه الوطن، حينها سنشهد تحولا بارزا في محطات الطريق لمئويتنا الثانية، وقدرتنا على المواجهة لكل التحديات التي تعترض طريق التقدم، وأن نكون عونا لكل مؤسساتنا العامة والخاصة التي نحن منها وإليها اليوم وغدا ومستقبلا.
حمى الله الأردن