ما بين ملحد وموحد سوى حرف واحد اللام والواو من الناحية الصرفية الاشتقاقية.
في الاوساط المدنية والثقافية يتباهى بعض المتثاقفين باعلان الحادهم، وانكار ونفي وجود الله.
الالحاد مغرٍ للمراهقين والمبتدئين بالمعرفة، والمفلسين الراغبين بالبحث عن شهرة واثارة وعدا عن ذلك ، ولربما ان السجال حول الايمان والالحاد تشتد زوابعه بين الفئات الاقل فكرا وثقافة، وتكوينا.
مناسبة كتابة هذه السطور، وقد اثارني ما كتب ناشط سياسي مدني يدعى انه مشهور ومؤثر عن الدين والقرآن وسيدنا محمد.
و تابعت صفحته على الفيسبوك تعج بالشتائم للاديان والاسلام وظاهرة التدين وتسخر من العبادات والعقائد.
طبعا، طرحه يتسم بالسطحية والتفاهة، ولا يستحق الرد والنقاش، لانه لا يرقى لموضع السجال والجدل التقدمي والموضوعي.
الحوار ما بين المؤمن والملحد ازلي، والمفكر المصري مصطفى محمود في كتابيه حوار مع صديقي، ورحلتي من الشك الى الايمان قدم أطروحة فكرية ناضجة لمفهوم التدين والالحاد والحوار بينهما.
التدين هو الظاهرة الاقدم في تاريخ البشرية، واي باحث ينكر ذلك فاما انه يتجاهل الحقيقة او يتغاضى عنها او انه غبي ومصاب بالعمى الفكري.
و التدين هو الظاهرة الاجتماعية الاقدم والمسيطرة والمهيمنة على المجتمعات البشرية.
في الماركسية قالوا ان الصراع الطبقي هو محرك التاريخ، ولكنهم توقفوا عاجزين عن فهم التحول الذي اجراه قسطنطين على مجتمع روما، من الوثنية الى المسيحية.
هناك قوى فوق التاريخ والديكالتيك، وقوى ميتا علمية، وما ورائية، وقد نصفها عجائبية وفوق طبيعية وما وراء كونية، وتمنح الدين تجذره وسلطانه والمطلق.
الدين قوة استراتيجة في التاريخ، وتاريخ الاديان ليس حقلا للهواة وانصاف المثقفين والجهلة، والباحثين عن الشهرة والاثارة.. وعلماء ومؤرخون وفقهاء ونقاد وبلاغيون ومتصوفة انفقوا اعمارهم في مقارعة الدين وتشريحه ومحاكمته وادانته، ولكنه باق في مكانه، وظاهرة التدين تزداد وتكبر واتباع الاديان تكبر اعدادهم.
في جدلية قراءة الدين وتفكيك مفهوم الدين والقداسة بنى مفكرون وفلاسفة نظريات معرفية قوية ومتينة، واسست لاسئلة ثورية و تنويرية كبرى عن الدين والمقدس، ولا يمكن تجاوز ما طرحه المناطقة والمعتزلة وابن رشد والعروي وحسين مروة، ونصر حامد ابو زيد، ويوسف الصديق عن الاديان وتاريخها .
في الماركسية، قال جورج بولتيرز عبارته الشهيرة ان الماركسية ليست عقيدة بل انها منهج تفكير. العبارة في التراث الماركسي العربي حرمت من التداول والتوظيف، وبحكم سيطرة الشفوي والمنقول على التراث الماركسي العربي، وابطل مفعولها، وصارت متقادمة تقادم الجهر بالالحاد.
قليلون هم الفلاسفة والمفكرون الذين اشهروا الحادهم.و اذكر من ايام الجامعة قرأت لديدرو، وهو مؤسس في تاريخ الالحاد، وكان ينشر مقالاته باسم مستعار.
الاقتراب من الدين وروح الناس شأن خطير وحساس، والى درجة ان مفكرا كبيرا كماركس في تحريره للبيان الشيوعي كتب عبارته المنتشرة على نطاق واسع، «الدين أفيون الشعوب» مشفوعة ومتبوعة بعبارة أخرى «وزفرة المضطهدين»، وعلى شاكلة لا تقربوا الصلاة.
ماركس بعظمته وجلال مقامه وقدره في تاريخ الفلسفة والعلوم لم يجرؤ، ليس خوفا، بل فهما لمحركات التاريخ ونوعية نمط الانتاج، ومنطلقا من ديالكتيك مبتكر ، وهو الملخص في المبدأ الماركسي: الوجود يحدد الوعي وليس الوعي هو الذي يحدد الوجود. وهنا انصح دعاة الالحاد ان يقرأوا ماركس جيدا وبعمق، ولكي لا يقولوا الرجل ما لم يقل.
هناك ملحد غبي وهناك ملحد ذكي.. ملحد كشف عن الحاده بفجاجة وغباء وارتمى تحت مقاصل السلطة والمجتمع، وملحد ذكي وعبقري مرر افكاره بحنكة ومجاز وتورية.
و في العلوم والفلسفة مثلا مفكرون وعلماء غيبوا الالهة.. فرويد دخل الى الانسان من باب اللاشعور، وكوبنكورس قال ان الارض كروية، وداروين اعتبر ان اصل الانسان قرد، وانه ليس من اسمى المخلوقات .
في التاريخ خرجت حركات الالحاد لمقاومة ظلم واضطهاد الكنيسة، المؤسسات الدينية، ومحاربة الدوغمائية.
ودون تعميم هناك ملحدون ولا دينيون يناقشون ويطرحون افكارا ويفتحون سجالات بهدوء وادب، ومتمكنون من ارائهم واطروحاتهم، وراسخون في المعرفة يبررون موقفهم من العقائد بالفلسفة والمنطق، والعلم.
و ايام كان الملحدون يقرؤون كتبا وملجدات ومراجع.. وايام ما كان الجهلة والانصاف يخوضون في قضايا ما وراء الطبيعة، والعوام منشغلون بما بين ارجلهم.
لا شك ان في الالحاد خطر، ومحاولات مغامرين ومتهورين في تسفيه التدين دون الانطلاق من ارضية علمية وتاريخية وفلسفية، وصدم الجماعة والانشقاق عنها والتوجه نحو اقصى المقدس بتطرف.
الفقهاء قالوا انه نقاش بدأ فاسدا.. والمجتمع امامه عقبات اهم من هرطقة واستخفاف وتحدّ بليد للغيبات والمعتقدات.. فماذا يعني نفي وجود الله، وهل ينقذ البشرية من ألم التيه ؟!