لا شك أن ارتفاع الأسعار بات هما يؤرق الجميع، خاصة وأننا على وشك ارتفاعات جديدة بأسعار المواد والسلع الأساسية، وعلى الرغم من صمود الدعم الحكومي المقدم لبعض الأساسيات مثل الخبز والغاز في خضم ارتفاع مستويات التضخم غير المسبوقة، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، لكن السؤال هنا هو إلى متى سيبقى الدعم الحكومي صامدا في مواجهة التحديات والأزمات العميقة التي تستعصي عليها الحلول.
الأمر أشبه بالتعامل مع القنابل الموقوتة المتشابكة الأسلاك، وهي المهمة التي يضطلع بها الدكتور بشر الخصاونة وفريقه الوزاري الذي يواجه أزمات متشابكة تتمثل في التضخم وارتفاع الأسعار العالمية وارتفاع مستويات الفقر ونقص الموارد الغذائية، كل تلك المشاكل تمثل فتيل أزمة تهدد الأمن الغذائي للمملكة.
ولو كان البعض يظن أن جائحة كورونا والأزمات السابقة هي السبب في تذبذبات الاسعار، فالحقيقة أن الأسعار الآن تفوق بكثير الأسعار ما قبل الجائحة، ذلك لأن ارتفاع أسعار الطاقة بعد اشتعال الأزمة الروسية الأوكرانية، قد فاق التوقعات، إضافة الى التغييرات المناخية التي ساهمت في رفع أسعار النفط، بعد أن شهد العديد من دول العالم خاصة أوروبا الباردة دوما ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة استلزمت معها زيادة جنونية في الطلب على الطاقة الكهربائية لتشغيل مكيفات الهواء، كما أدى التغيير المناخي في ارتفاع نسب الجفاف وانخفاض انتاج الطاقة الكهرومائية، كل هذه العوامل مجتمعة جعلتنا نشهد اسعارا تفوق اسعار ما قبل الجائحة بكثير.
ولأن أكثر ما يشغلنا ويدق ناقوس الخطر لنا جميعا هو الأمن الغذائي، فقد قامت الحكومة منذ قرابة الشهر بالكشف عن مسودة نظام إنشاء مجلس للأمن الغذائي، وهي خطوة جيدة على الطريق الصحيح، وإن كان الأولى هنا هو إنشاء منصة بحوث غذائية تهتم بمشاركة أحدث اكتشافات الخبراء وأوراقهم البحثية ومنشوراتهم المهمة، لكي تلبي احتياجات مجموعات المستثمرين المختصين بالأمن الغذائي، من حيث البيانات والمعلومات الخاصة بالبحث والتطوير في مجالات الإنتاج الغذائي المستدام.
وعلى الرغم من أن المجالات البحثية تستحق الأولوية الا أنها شحيحة ومحدودة للغاية، وتتمثل في تكنولوجيا الزراعة الحيوية، وتدوير النفايات الزراعية والأغذية البديلة والطاقة والمواد الحيوية وتكنولوجيا سلسلة الغذاء والروبوت وغيرها من المجالات البحثية التي من شأنها أن تنقل المملكة لمراحل متطورة للغاية على الجانب الغذائي، وربما تشكل طوق النجاة للاقتصاد الأردني من الأزمة التي تمر بها البلاد.
لو أحسن استغلال فكرة المنصة تلك وانطلقت بشكل صحيح، ستتحسن البيئات الاستثمارية، وسنحافظ على أسعار السلع غير المرتبطة بالطاقة، وسيخفف هذا العبء عن كاهل كل من المواطن والدولة على حد سواء، وبالتالي نتلافى نسب التضخم المرتفعة، والارتفاع الجنوني بالأسعار.
وفي الوقت نفسه تحتاج تلك المنصة لمقياس دقيق للمعايير الأساسية المرتبطة بالأمن الغذائي وهي القدرة على تحمل التكاليف، ومدى توافر الغذاء، وجودة وسلامة الغذاء، وكلها من الممكن العمل عليها من خلال أفكار الخبراء واكتشافات المبدعين في هذا المجال، والذين سيوفرون بدورهم تلك الحلول مقابل نسب ربحية حال الاستثمار بأفكارهم المبتكرة، أو مقابل مبالغ مالية ستكون بكل الأحوال أقل بكثير من فاتورة ارتفاع الأسعار المستمرة.
وعلى سبيل المثال فقد قامت إحدى المهندسات في الآونة الأخيرة بابتكار نظام زراعي تكنولوجي يقلل من استهلاك المياه في الزراعة، وهو يعد واحدا من أهم الابتكارات التي يجب على الحكومة حسن استغلالها والسماح للقطاع الخاص بالاستثمار فيها خاصة أننا نعتبر من أكثر دول المنطقة فقرا بالمياه، بالإضافة إلى هذا شاهدنا رجل الأعمال زياد المناصير في حفل إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي حين كشف عن أحد منتجاته في قطاع الأسمدة والذي من الممكن أن ينعش اقتصاد الأردن ويحل أهم مشكلاته وهي الماء والغذاء، وهذا يدل على أن تلك الطرق والمنتجات والابتكارات وغيرها من الأفكار المبدعة، يمكنها أن تتحول لمشاريع استثمارية ناجحة، تحقق أهدافها وتعزز الأمن الغذائي للدولة.
وفي النهاية إن رسالتنا هنا هو السعي للخروج من دائرة إنشاء المجالس والهيئات، وكتابة الخطط على الورق، وأن نتجه لمستوى العمل الحقيقي على أرض الواقع، وتحقيق الأهداف المرجوة بإنشاء مشروعات استثمارية تمتلك الريادة والحلول التنموية الحقيقية، لتعود على الوطن