ثمة فارق كبير ما بين الفقر والافقار.
والافقار حتما سلوك لصيق لسياسات اقتصادية صلبها يقوم على مراكمة الارباح لشرائحة، وتركيز الثروة والنفوذ في ايدي قلة قليلة، على حساب الفئات الاخرى من منافسيها بالطبقة الوسطى والمتدنية والكادحين.
طبقة ام « قلة قليلة « يقوى نفوذها وتحكمها بالاقتصاد والثروة..وبينما تنظيم التوازن الاجتماعي يختفي، وتوزيع الثورة بعدالة على المستوى الوطني يتبخر.
في دول صناعية ورأسمالية افرطت في تطبيق النموذج الليبرالي الاقتصادي خرجت قوى اجتماعية وسياسية مضادة لليبرالية، وتجسدت في حركات اجتماعية واشتراكية ورأسمالية اجتماعية، والليبرالية المتطرفة سقط وتعرى مشروعها في السياسة والاقتصاد تحت ضغط الازمات، والانهيار الاقتصادي، وعصرها الذهبي في العالم تلاشى واندثر.
و من تسعينات القرن الماضي وما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، قادت واشنطن حملة اممية للترويج لليبرالية الكونية الامريكية، واستخدمت واشنطن قوى ناعمة وخشنة، وادى ذلك الى تغيير الهوية الاقتصادية لبلاد كثيرة في العالم الثالث.
والاردن ولم ينجُ من الهجمة الليبرالية.و دخلت البلد في مشروع الخصخصة وهيكلة القطاع العام، وتفكيك الدولة، وتفريخ المؤسسات والهئيات المستقلة وليبرالية السوق العولمة والانفتاح الاقتصادي، وصارت الليبرالية عقيدة رسمية للدولة.
ومتى بدأ الفقر يتزايد في الاردن ؟ ومتى بدات مظاهر الفقر تتفجر، وصرنا نسمع ارقاما متطرفة عن البطالة والفقر والجوع والامن الاجتماعي.. ولم يسارع جهابذة الليبرالية الاردنية بان يراجعوا التيار المسيطر على السلطة والقرار الاقتصادي.
وقابل ذلك، انفجار في اعداد الفقراء، وانزياح الطبقات الميسورة والمستورة نحو الفقر والفقر المدقع.. واصبحنا نسمع عن ولادة لاثرياء جدد، ونسمع عن ثروات خيالية لرجال اعمال ولدوا في المنطقة الرمادية والغاضمة، وصنعوا ثروات من اعمال السمسرة والكوميشن.
نعم، وما حصل وما زال هو افقار للاردنيين. وانقلاب في وعي وثقافة الشرائح الاجتماعية المستهدفة من سياسة الافقار الممنهجة، وخصوصا في المحافظات والاطراف البعيدة والقريبة من عمان.
الاردنيون لم يكونوا يوما أثرياء واحوالهم ميسورة كثيرا.. ولدنا فقراء، وعشنا فقراء، ولكن كانوا فقراء راضين وصابرين، وكانوا مؤمنين بالدولة ورعايتهم، وكانت الدولة تقدم تعليما وعلاجا وطبابة ودواء مجانيا لمواطنيها.
وكان الارتقاء الاجتماعي والتحول الاجتماعي فرصة تقدمها الدولة ومؤسساتها لمواطنيها المتعلمين بالثانوية والجامعة والدراسات العليا، وابناء البيروقراط الاردني الذي يشارف اليوم على الموت والانتهاء.
الغنى الفاحش والثراء ومظاهر التبذير والاستهلاك داهمت المجتمع الاردني في الالفية الجديدة.. الفقير العادي والراضي والمحترم انقرض، وانقسم المجتمع بشكل طبقي حاد ما بين من يملك ومن لا يملك، ومن يقدر على العيش ومن لا يقدر، ومن يموت ترفا ومن يموت جوعا.
و اصبح الفقر والفقراء عنوانا للاستهلاك السياسي، وخصوصا في مراسم الانتخابات وشراء الاصوات والمال السياسي. ومن متى اصبحنا نسمع بالمال السياسي في الانتخابات ؟
فشلت الحركة الوطنية الاردنية بانتاج قوى اجتماعية وسياسية مضادة لليبرالية المتوحشة. ويمكن القول ان القوى الوليدة لمناهضة ليبرالية الاقتصاد والسوق والنسخة الجدبدة من ليبرالية السياسة والمجتمع المدني جرى اجهاضها ومحاربتها واسقاط مشروعها الوطني النضالي.