اختتم معرض الكتاب الدولي في عمان الذي ينظمه اتحاد الناشرين الأردنيين بالتعاون مع وزارة الثقافة، وعلى امتداد أيام المعرض شهدت أروقته فعاليات ثقافية متنوعة.
400 دار نشر أردنية، وعربية. ودولية من 22 دولة شاركت في المعرض بنسخته هذا العام، وقُسم المعرض إلى رواق عمان، رواق القدس، ورواق الكويت ضيف الشرف للمعرض هذا العام.
أهم ما في المعرض هذا العام تخصيص جناح كامل لكتب الأطفال، وهي خطوة مهمة لا بد من البناء عليها وتطويرها، ربما لإعادة الجيل الجديد لقراءة الكتاب، بعد أن سيطرت عليه الثقافة البصرية، وغزت وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا.
اختير المبدع وليد سيف شخصية المعرض الثقافية، وحرص المنظمون على أن يظل شعاره القدس عاصمة فلسطين بدلالاته السياسية، والثقافية.
كثيرة هي الملاحظات التي يمكن أن تُقال، وتُثار على هامش المعرض، تقدمها هذا العام مكان تنظيمه في “مكة مول”، وشخصيا أدعم هذا التوجه، فعلى دور النشر، والمعرض أن يذهبوا حيثما كان الناس، فالمعرض ليس موجها للنخبة، وإنما يريد أن يصل لكل بيت، وحبذا لو يُقام المعرض في الجامعات، والمدارس، والأحياء الشعبية، وعلى هامش التظاهرات الرياضية، والفنية.
طبعا هذا الكلام لا يلغي المطالبة بإقامة مكان لائق للمعارض بالأردن، على غرار الكثير من دول العالم، يستثمر في المهرجانات، والمؤتمرات الدولية، وهو استثمار مفيد للسياحة، والثقافة، وليت أمانة عمان تُباشر بشكل جدي دراسة الأمر مع الحكومة، فمخجل ألا يكون هناك مرفق عام لهذه الأنشطة، مثلما هو معيب ألا يكون لدينا مسرح وطني شامخ.
زرت المعرض، وتجولت فيه، وشعرت بحاجتي كشخص غير متابع لعالم الإنتاج الثقافي لمن يُرشدني للإصدارات الجديدة، مثلا أهم الروايات، والكتب السياسية، كنت أتمنى لو كان بالإمكان أن تكون هناك أفلام قصيرة تقدم جرعات معرفية عن المنتوج الثقافي الذي يُعرض، ويُباع حتى لا نشعر بالتيه، فلكل شخص اهتمامات، وأولويات، ولكن لا يعرف كيف يحققها خلال زيارته القصيرة للمعرض، وهذا الأمر مرتبط أيضا بإمكاناته المالية، فالأغلبية لديها ميزانية محدودة، وشخصيا شعرت بغلاء سعر بيع الكتب، وبصراحة لا أعرف آليات التسعير، ولا أعرف إن كانت هناك رقابة، فلا يجوز أن يكون المعرض فرصة للاستغلال.
أقيمت نشاطات، وندوات على هامش المعرض، وبعيدا عن تقييم جودتها، فإن المهم التذكير بأهمية استقلالية الجهة المنظمة في اختيار المتحدثين، والمتحدثات بعيدا عن الرقابة، والوصاية، والتدخلات، ومناسبة هذه الملاحظة استبعاد الكاتب احمد حسن الزعبي من ندوة عن الأدب الساخر، وما صاحبها من تجاذبات، واتهامات،
وما يمكن التأكيد عليه أن الثقافة، والإبداع لا يزدهران في ظل سياسة تكميم الأفواه حتما.
أزمة القراءة في الأردن لا تنفصل عن حالة استفحالها في العالم العربي، ففي مؤشرات القراءة نتذيل عربيا القوائم، والمعلومات المتداولة أن الإنسان العربي لا يقرأ سوى 6 صفحات في العام، ولهذه الظاهرة الخطيرة أسباب متعددة، في مقدمتها هل نشجع المفكرين، والمفكرمات على الإنتاج؟، هل توجد حوافز لهم ، وقبل ذلك هل يمكن أن تزدهر الثقافة، والإبداع في بيئات ليست ديموقراطية؟
حركة الترجمة محدودة جدا، وقرأت أن اليونان الدولة الصغيرة تترجم أكثر من العالم العربي سنويا، وفي هذه الأجواء من المتوقع انحسار عادة القراءة، وربما أكثر ما يجب دراسته أثر انتشار منصات التواصل الاجتماعي على قراءة الكتب.
يمضي الكبار قبل الصغار ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا ذهبت إلى حديقة، أو نادٍ، أو حتى سافرت ستلحظ قلة من يتمسكون في كتاب يطالعونه، وجلهم يتسمرون أمام شاشات موبايلاتهم.
عالم الاتصالات غيّر القواعد في العالم، وعلى صانعي الكتب، وعلى منظمي معارض الكتاب أن يبدعوا في استكشاف طرق جديدة تعيد الناس للقراءة سواء كانت مطبوعة، أو إلكترونية، فما زلنا أحوج ما نكون لكلمات تروي ظمأ أرواحنا، بدلا من فوضى التيك توك التي تجتاحنا، وتعيث خرابا.