أكثر من نصف منشورات معظم الفيسبوكيين العرب تخص غدر وخيانة الأصدقاء والأقارب، يتذمرون من الكذب والنفاق ويعانون منه الأمرّين، وعلى كافة المستويات والاصعدة، افرادا ومجتمعات وحكومات، ودينيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولا اعتقد ان هناك داعي لها كلها لسبب ظاهر بسيط: هو تقصير المغدور به بوضع من حوله بمكانهم الصحيح من مركز الذات، وبالتالي سوء تقدير سقف التوقعات في حالة الحب والمودة، وسوء نقد الغادرين وجلد الذات في حالة الكره والصدود، والنتيجة هي العيش المتصدع المتذبذب بين الحب والكره المتطرفين ولحين غير قليل من الدهر، وضياع لحظات الاستقرار النفسي والسعادة الذاتية، لتستمر منشوراتهم - وبالتالي حياتهم - مقيدة حزينة أو ثائرة ساخطة، بلا معلومة مفيدة، ولا تقدم مثري، ولا أدب أو فكر ناضج، أو علم نافع، أو حتى ذكريات حلوة يتناقلوها على صفحاتهم كالأجانب، الذين فهموا الغاية من هذا التطبيق الاجتماعي - تواصلاً لا قطيعة.
أقول لكل من لوعته خيانة البشر : أرح قلبك ونفسك من كل هذا، يكفيك في هذا قوله تعالى (إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم)، فما بالك بالباقي العابرين، وقوله تعالى (وإن منكم الا آتي الرحمن فردا)، فلن يرافقك أحدٌ بعد خط النهاية، لا قريب ولا صديق، وبالتالي لا تسخط من سوء اختياراتك، ولا تضع من حولك - أيا كان - في دائرة نصف قطرها مخطوء، قرباً من مركز ذاتك او بعدا عنه. فإن فعلت ذاك صحت توقعاتك، وهنأت نفسك وطابت معيشتك، وكنت عزيزا متصالحا مع ذاتك ومع غيرك من شركاء الارض والماء والهواء، و(لا يضركم من ضل اذا اهتديتم)، والهداية حكمة على اطلاقها، دينيا واجتماعيا ونفسيا، فليهتدي كلٌ لسبيله المرضي لربه ولذاته، واعلم ان لنفسك عليك حقوقا، اولها وآخرها ان تريحها وتسعدها وتبعدها عن كل ما ينغص عيشها، فهي أمانة في عنقك ليوم تسليمها بالموت، ولا تزر وازرة وزر اخرى، فلا تحملها اوزار خيانة غيرها وتستمر بجلدها ولومها، فتتحول من النفس المطمئنة الى النفس اللوامة - لها ولغيرها.
خلاصة القول؛ ان الاجنبي أو الغريب الناظر في ترجمة منشورات معظم هؤلاء المتذمرين من غدر القريب وخيانة الصديق، يعتقد انهم كانوا عائلة واحدة تباعد افرادها جراء المشاحنات بينهم، او طلاب مدارس للتو نضجوا، أو ان مدينتهم الفاضلة سقطت بيد اعدائهم ذوي الغدر والخيانة، وان هؤلاء القوم لا دستور اجتماعي ينظم علاقاتهم ببعضهم، ويمضون اوقاتهم يتلاومون ويتحسرون، كانوا في جنة الفردوس ملائكةً، ثم نزلوا الى أرض الشياطين قسراً، تائهون بلا هادي لهم، ينظم حدود علاقاتهم ووداً وكرهاً مع غيرهم.
مقصد القول؛ من لم يكن يحتكم للقرآن الكريم كدستور الهي سماوي، وكخارطة طريق في الارض، يفهمها وليس يحفظها صما فقط، ومن لم يكن يحتكم لقانون اجتماعي واضح المعالم ينظم دواىر العلاقات الاجتماعية مع نفسه ومع غيره، فلن يجد في قوانين البشر ما يرضيه، وسيبقى تائه الغاية والوسيلة، تابع لغيره، يعيش ردات الافعال، وليس الافعال ذاتها. ومن لا يعتقد ان الكذب أصل، وأن النفاق مظلة البشر، فليراجع أوائل سورة البقرة، ليكتشف ان الكذب والنفاق هو ما أول ما بدأت بنقاشه خارطة الطريق في الارض - القرآن الكريم، ولن تنتهي عواقبها بتذمرات وهمية هنا وهناك - هزيلة مُضيعة للوقت والرضا والسعادة، بل تنتهي بالايمان والهداية، والانشغال عنها بما ينفع - ولا يؤخر عن المقصد وبلوغ الهدف.
من مقالات - الاوهام تقتل.
الدكتور المهندس أحمد الحسبان