يتناقل السواد الأعظم أن سبب استقالة مدير الأمن الوطني اللواء حسين الحواتمة، جاءت نتيجة لوفاة نزيل في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل بسبب الضرب، وفي حال كان هذا ما حدث فعلا فإنه يحسب للدولة الأردنية ولجلالة الملك وللواء حسين الحواتمة نفسه، كمسؤولية أدبية وسياسية وأخلاقية، وهذا موقف شهدناه أكثر من مرة في الأعوام القليلة السابقة، حيث استقال وزراء برغبتهم، التزاما أدبيا وأخلاقيا وسياسيا منهم، فهم؛ حتى وإن لم يكونوا مسؤولين مباشرة عن وقوع الأخطاء، فإنهم يحرسون نظاما أخلاقيا ديمقراطيا ومستعدون لتحمل أية أخطاء تحدث في مؤسساتهم، وهذا موقف سياسي راق يحسب للدول الديمقراطية لا عليها، علما أن كل الحديث عن سبب وفاة نزيل في مركز اصلاحي يقع ضمن مسؤولية جهاز الأمن العام، سابق لأوانه، حيث يوجد قانون وقضاء، يلتزم به الأمن العام قبل غيره، بل ويحرسه ويطبقه على منتسبيه، وثمة محكمة للشرطة وسجن أيضا، ولا مزايدات على الأردن في هذا المجال..فالتاريخ حافل بمحاكمات كثيرة وأحكام قطعية صدرت عن هذه المحكمة ..ولم تتهرب مديرية الأمن العام من مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية حتى إزاء دعوى كيدية يقدمها مواطن ضد ضابط أو شرطي.
ورسالتان للنواب:
الأولى عن الصحة التي يعرض على مجلس النواب تعديل قانون مجلسها الطبي الأعلى، نقول بأنها لا تبدو بخير مع كل أسف، فمنازعة المجلس الطبي الأردني صلاحياته، والتوجه لمزيد من المغامرة بهذه المهنة السامية، أمر ليس في صالح الدولة الأردنية، وقد سبق للدولة وفي مواقف كثيرة أن صمدت أمام محاولات بعض الأطباء الذين لم ينجحوا بالامتحان الذي يجريه المجلس لإجازتهم لممارسة المهنة في الأردن، ويبدو أنهم أصبحوا يجدون أذنا صاغية في الدولة، للاعتراف بمستواهم المهني، رغم تدنيه بدليل عدم نجاحهم في الامتحانات التي يجريها المجلس، وهنا نريد التذكير للمرة المليون بصعوبة أن يحصل الطالب الأردني على مقعد طب في جامعاتنا الأردنية الحكومية، وجميعنا يعلم أن الطالب يكون متفوقا جدا في المدرسة، وبات يحصل على معدل يتجاوز 98% ولا يسعفه بالحصول على مقعد طب في كلية الطب بالجامعة الأردنية، ويقدم طالب الطب في هذه الجامعة جهودا دراسية كبيرة حتى يحصل على شهادة البكالوريوس في الطب وطب الأسنان، ويكون مستواه مدعاة لفخر الدولة على مستوى المنطقة، ثم يأتي طبيب خريج جامعات غير أردنية، لم يتجاوز معدله 70% في الثانوية العامة، وبعضهم غادر الأردن بتوجيهي راسب وبشهادة اول ثانوي فقط، فعادوا إلينا أطباء! ولم يتمكن من اجتياز امتحان المجلس الطبي، فيجد الفرصة سانحة، لمنافسة أطباء حصلوا على معدلات ممتازة في الثانوية العامة، وتخرجوا من كليات الطب في جامعات أردنية معروفة بمستواها العالي !! لماذا كل هذا التهاون مع التميز الأردني في الطب ودراسته وممارسته؟ ولماذا لا يتم تعزيز المجلس الطبي الأردني وضمان استقلاليته وتحكيم الخبرة الأردنية وأخلاقها وأعرافها بتحديد مستوى من يمارس هذه المهنة السامية في الأردن؟..!!.
والثانية تتعلق بتصريحات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومساعيها للتخلي عن «المستوى المتواضع المتبقي من العدالة في التنافس بين الأردنيين، للحصول على مقاعد جامعية، فعلاوة على تهديدها أيضا لمهنة الطب من طرفها، وللمرة المليونين وشوية، لا يجوز أن تتخلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، عن وحدة تنسيق القبول الموحد في الجامعات، وتوكلها للجامعات، فالجامعات بالكاد تقوم بحملها، وبالكاد نلحظ فيها شفافية، وتخضع لكثير من الابتزاز، ولا يمكننا إضافة عبء قبول الطلبة فهي لن تصمد، ولن تعدل في القبول، سيما وأن المشهد يزداد سوءا، بسبب منح الجامعات الخاصة تراخيص لافتتاح كليات طب أسنان (بقولوا هناك 11 ترخيص !)، أي أن مهنة الطب وطب الأسنان وتميز المنتج التعليمي والمهني في جامعاتنا الحكومية في هذا المجال، يعاني تهديدين آخرين علاوة على ما ذكرناه بخصوص المجلس الطبي الأردني، فكثرة كليات الطب في الجامعات الخاصة، وتوكيل الجامعات بالقبولات الجامعية، سيجهزان على هذه المهنة وتميز الأردن فيها وبشكل نهائي.
لماذا أصبحت الدعوات والتوجهات لمزيد من انهيار بهذه الجرأة؟ ومن يدافع عن انجازات دولتنا ويحميها منها؟!.