حتى اللحظة لم يقفل الستار على حادثة انهيار عمارة اللويبدة، ولن تغيب من الذاكرة فاجعة الناس بموت أحبابهم تحت الأنقاض، وسيبقى الأردنيون والأردنيات يستذكرون بفخر جهود رجال الدفاع المدني، والأمن العام، واستمرارهم يصلون الليل في النهار لأيام حتى ينقذوا من داهمتهم هذه الكارثة.
ناجون من الموت من تحت أنقاض عمارة اللويبدة قصة تستحق أن تُروى بشغف، لتفتح كوة الأمل دائما، و14 شهيدا ضحايا يجب أن تُخلد أسماؤهم للتذكير، والتأشير على مكامن الخلل في بلادنا.
من المسؤول عن انهيار عمارة اللويبدة، حتى الآن هناك سيناريوهات، ومعاينات متعددة للفاجعة، وقبل أن تُعلن نتائج التحقيق بشكل نهائي، وقبل أن يقول القضاء كلمته سيظل الحديث في سياق التكهنات.
المؤكد أن هناك خللا ما قد وقع، والمدعي العام أسند لصاحب العمارة وشخصين آخرين تهمة التسبب في الوفاة، ونقيب المهندسين احمد سمارة الزعبي يؤكد أن العمارة لم تنهر لأنها قديمة، وإنما لتدخل بشري، وشهود عيان تحدثوا عن أعمال صيانة في الطابق الأرضي للعمارة.
ليست هذه الحادثة الأولى لانهيار عمارة في الأردن، وفي عمّان خاصة، فقبل سنوات قليلة كانت حادثة انهيار مبنى في جبل الجوفة، وعندها أخليت مبان عديدة، وطُلب أن يُدرس بشكل عاجل وضع المباني القديمة، والمتهالكة، أو المتضررة في الأردن، وانهيار مبنى جبل الجوفة سبقه مبنى آخر في بيادر وادي السير.
حادثة عمارة جبل اللويبدة نكأت الجراح لاستذكار حادثة البحر الميت، وبعدها مستشفى السلط، والانفجار في ميناء العقبة مؤخرا، والرابط الذي يراه الناس على منصات التواصل الاجتماعي، الإهمال، وغياب المساءلة، وضياع المسؤولية بين المرجعيات المتعددة.
لا يجوز أن ننكوي بفاجعة يذهب ضحيتها أرواح عديدة حتى نتحرك، ونضع أسئلة كان يجب معالجتها من قبل، وفي قضية عمارة اللويبدة تحضر تساؤلات كثيرة منها، من يراقب تنفيذ أعمال الترميم والصيانة في الأبنية القديمة، ما هي البروتوكولات المسموح بها في البناء في القرب من أبنية قديمة؟
عام 2017 شكلت لجنة حكومية رفيعة المستوى ضمت وزارات الداخلية، والأشغال، والبلديات (الادارة المحلية)، والتنمية، وأمانة عمّان، والأمن العام، والدفاع المدني لحصر المباني الخطرة، والمتهالكة، والآيلة للسقوط، وقدمت توصياتها، أهمها إزالة المباني الخطرة، ولكن من المرجح أن توصياتها حفظت في الأدراج، ولم تُنفذ، وهنا يكون السؤال من نحاسب على هذا التقصير؟
كلام آخر قيل عن توصيات لإجراء مسح وحصر للمباني التراثية، والقديمة، وتحديد صلاحيتها، ومدى ملاءمتها للاستخدام، وفي خضم النقاشات بعد فاجعة عمارة اللويبدة فإن هذه المهمة لم تنجز أيضا.
تناقل نشطاء السوشال ميديا إدراجا لوزير الصحة الأسبق سعد الخرابشة على صفحته يستذكر حين استقال مع وزير المياه بسبب تلوث محدود للمياه وقع في إحدى القرى، ولم تنتج عنه وفيات لتكريس مبدأ المسؤولية الأدبية والأخلاقية للوزير حتى تصبح سُنة حميدة.
يقول الخرابشة في منشوره “طبق هذا على 3 وزراء بعد ذلك، إلا أنهم ما لبثوا أن أعادوا تعيينهم في مراكز رفيعة في دولتنا العتيدة، وتوقف بعد ذلك استقالة الوزراء رغم تكرار الحوادث المميتة”.
لم أسمع شخصية حكومية تُعلن تحملها لأي مسؤولية عن أي تقصير محتمل في حادثة عمارة اللويبدة، ولا أتوقع ذلك، وعلى الأرجح سينحصر الأمر فيما فعله صاحب البناء من تغييرات، ومن شاركه من مقاولين، أو مهندسن إن وجد في هذا الأمر!
حضرت الحكومة لموقع الحادث، كما قدمت تعزيتها بالضحايا، ولكن هل هذا يكفي لتعويض الأسر المكلومة؟ وهل يكفي استئجار شقق وتقديم مساعدات للعائلات المتضررة التي كانت تسكن العمارة المنهارة؟
في العالم مبان قديمة عمرها مئات السنين رممت بطريقة علمية، وما تزال تستخدم وبكفاءة عالية جدا، ونحن حتى الآن ليست لدينا قاعدة معلومات عن المباني القديمة، ولا توجد لدينا خطة للتعامل معها، وأسهل قرار هدمها، وإزالتها، فالتاريخ عندنا أحيانا يُزال بكبسة جرافة دون أن يرمش المسؤول، أو يؤنبه ضميره.
ستبقى على عتبات أرصفة اللويبدة قصص تُروى للحظات فرح بالعثور على ناجين وسط الركام، وحتى لا ننسى، وتكريما للشهداء ليت أمانة عمّان تصنع في الموقع نصبا، فالشعوب الحية تتعلم من أخطائها، وعثراتها.