بقلم المهندس قصي محمد حرب - أسبوع حزين مر وليس بالأول الذي يمر على مملكتنا الأردنية العزيزة مثله ، فقدنا فيه 14 أخاً وأختاً أردنيين بلمحة البصر ، وتألمنا لأوجاع 10 آخرين – شافاهم الله وعافاهم ، هذا الإنهيار ليس بالأول نعم ، ولكن يمكننا الأخذ بالأسباب لجعله الأخير على الأقل – بمشيئة الله – وعلينا أن نتكاتف في ذلك في المرحلة القليلة المقبلة .
ما إن انهار البناء ، حتى بدأنا نرى كمتابعين روايات مختلفة منها ما هو الإيجابي ، ومنها الأخر السلبي الحاقد ، أما الإيجابي المفيد تجسد ، في روح التضحية والبطولة التي رأيناها في مديرية الأمن العام ( قيادةً وضباطاً وأفراداً) ، و بمختلف تشكيلاتها ووحداتها وبالأخص فريق البحث والإنقاذ الدولي – التابع لمديرية الدفاع المدني ، والذي عمل بمنتهى الحرفية والدقة ، وباستخدام أحدث التجهيزات المعمول بها عالمياً في مثل هذه الكوارث ، حاملاً معه كل أمال الشعب الأردني بإخراج المحاصرين على قيد الحياة ولكن إرادة الله أكبر من الأمال وما علينا الا البذل والباقي لرب العالمين ، ولا ننسى بالتأكيد كوادر أمانة عمان الكبرى والمتطوعين وكل الجهات الرسمية العاملة في ذلك الواجب .
من جهة أخرى لمسنا حقيقةً كمواطنين الأثار الإيجابية لدمج المديرية العامة للدفاع المدني سابقا والمديرية العامة لقوات الدرك سابقاً ، تحت مظلة مديرية الأمن العام ، الأمر الذي انعكس ايجاباً على ادارة الكارثة بتنسيق أمني مشترك بين الأجهزة المختلفة ، والتي تتلقى الأوامر والتعليمات العملياتية تحديداً من مرجعية واحدة تدعى قيادة مديرية الأمن العام ، وهذا الإنجاز يسجل حقيقةً ، لسيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، صاحب الرؤى الملكية الحكيمة التي تصب في تقديم خدمة نوعية للمواطن الأردني كما أوصى بها الراحل الملك الحسين بن طلال رحمه الله – المواطن أغلى ما نملك- ، وتسجل أيضاً لمن قاموا بترجمة الرؤى لواقعٍ ملموس لمسنا اثره الطيب على الأرض في هذه الكارثة ، متمثلاً بعطوفة الفريق الركن ( المتقاعد) حسين الحواتمة – مدير الأمن الأسبق – وفقه الله ، ومديرها الحالي عطوفة اللواء عبيدالله المعايطة – أعانه الله على خدمة وطنه وقيادته وشعبه- .
أما الجانب السلبي وهنا لا أريد الخوض كثيراً لأنني عدو من يجلد ذاته ، تمثل في بث الإشاعات وتناقلها وكالعاده ، وبث الأخبار المغلوطة لكسب المشاهدات لا اكثر من قبل ثلة قليلة ضعيفة النفس من أشباه الإعلاميين ، ومجدداً أثبت الإعلام الأمني لمديرية الأمن العام موجوديته بكل جدارة بنقل المعلومة الدقيقة أولاً بأول ، الأمر الذي يسجل أيضاً لها ، أما النقطة السلبية الأخرى ، هي تصريحات ونقاشات لثلة قليلة مؤثرة وللاسف على ضعف امكانيات الدولة في ادارة الكارثة ، متجاهلين حساسية الموقف والجغرافيا الصعبة لموقع الانهيار ، والخوف والحذر على احتمالية اخراج محاصرين احياء ، واخيراً وليس دفاعاً عن بعض المسؤولين ممن حضروا لموقع الحادث واستعملوا الشرفة لمشاهدة مجريات ومراحل عملية البحث والإنقاذ ، ولكن من حضر لموقع الإنهيار لن يجد سواها للوقوف والمتابعة أقرب ما يكون للبناية المنكوبة ، محافظاً على عامل السلامة العامة الذي جهله متداولوا الصورة للأسف، ناهيك عن محاولات تصوير للضحاياً دون انسانية او احترام لخصوصيتهم وخصوصية ذويهم حتى في الموت ، ناهيك عن الطعن والشتم لوريث مالك البناء المسؤول عنه دون معرفتنا بالرواية الحقيقية ونتائج تحقيق عن الجهات الرسمية المخولة بذلك ، حقيقة صدق المثل الشعبي القائل ( الأفعى لا تعض بطنها) .
اليوم علينا أن نتكاتف ونتحمل المسؤولية المشتركة جميعاً ، حكومةً ومواطنين لتحديد الوضع العام للأبنية التي نسكنها أو حتى تلك التي نعمل بها ، حيث يتوجب الأن على الحكومة إعادة مراجعة اسس تقييم الأبنية في مناطق أمانة عمان الكبرى أو البلديات على امتداد رقعة الوطن ، وتشكيل لجان مشتركة في كل بلدية تضم في عضويتها أعضاء من نقابة المهندسين ونقابة المقاولين والدفاع المدني وديوان المحاسبة وغيرها من الجهات المعنية لتحديد وضع المباني في المملكة ووضعها الفني ومدى مطابقتها لكود البناء الوطني ، واغلاق المنازل والمباني المختلفة الآيله للسقوط بالشمع الأحمر الى ان يصار تصويب اوضاعها .
في المقترح أعلاه سنصطدم بأكثر من معوق المتمثل بالوضع الاقتصادي الصعب الذي نعاني منه جميعاً ، وهنا يجدر العمل الان على دراسة امكانية تقديم قروض ميسرة بنسب فائدة و أو مرابحة بسيطة لا تتجاوز (1.99) % لإعادة الترميم من قبل الحكومة ودعم تلك القروض من قبل الخزينة للمباني الآيله للسقوط والتي يتوجب اغلاقها بشكل فوري ، كي نضمن على الأقل لا قدر الله ، التقليل من نسبة حدوث انهيارات مشابهة لاحقاً من جهة ، ومن جهة اخرى تكوين قاعدة بيانات حقيقية للوضع الفني للمباني .
حادثة انهيار بناية جبل اللويبدة يجب ألا تمر مرور الكرام ، ويجب ألا تمر فقط بمحاسبة المتسببين في الانهيار كعامل بشري ، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار العامل الفني وعامل التقادم ، ويجب ان يكون هناك اجراءات حكومية مشددة في هذا الصدد ، يجب أن يكون هناك مكاشفة حقيقية مباني الأردن القديمة وحتى الحديثة أين هي فنياً ؟! ، وأين هي من تطبيق معايير السلامة العامة وبالحد المتوسط لا أكثر ؟!
الله من وراء القصد ، حمى الله الوطن قيادة وشعباً ، ورحم الله فقدائنا في بناية اللويبدة .