سلامة الدرعاوي - أسواق المال والبنوك المركزية، العالمية والإقليمية، تترقب نتائج قرارات اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الخاص برفع أسعار الفائدة قريبا ، الذي عادةً ما يحدد مسار السياسة النقدية في اقتصادات دول عدة، وسط توقعات على نطاق واسع أن يقوم الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة بما لا يقل عن 75 نقطة أساس.
وفي خضم ذلك، يعود البنك المركزي الأردني، مرةً أخرى، تحت المجهر، فخلال هذا الأسبوع سيتخذ المركزي قرارات جديدة تخص إدارة السياسة النقدية، كما هو المعتاد، تضمن كبح جماح التصاعد في معدلات التضخم، والحفاظ على الاستقرار النقدي، والمساهمة في تحقيق الاستقرار المصرفي والمالي في المملكة.
إن المتتبع لبيئة الاقتصاد العالمي سيلاحظ بوضوح حجم الضغوطات التضخمية التي أدت إلى إسراع البنوك المركزية العالمية في التحول من السياسات النقدية التوسعية إلى السياسات النقدية الانكماشية من خلال رفع أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية لديها.
البنك المركزي الأردني ليس ببعيد عن ذلك، فقد قام خلال العام الحالي برفع أسعار الفائدة على أدوات سياسته النقدية، مستنداً إلى جملة من المؤشرات، أبرزها الأداء الحالي والتوقعات المستقبلية للمؤشرات النقدية والاقتصادية، محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، مثل التضخم الكلي والأساسي، ومؤشرات كفاية الاحتياطيات، ومعدل النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى توجهات وسياسات البنوك المركزية العالمية والإقليمية حول أسعار الفائدة.
إن قرارات السياسة النقدية، رغم صعوبتها، إلا أنها ضرورية وتأتي لاعتبارات نقدية بحتة لتعزيز أركان الاستقرار النقدي في المملكة، وبشكل خاص المحافظة على نظام سعر الصرف الثابت مقابل الدولار، والذي يتبناه المركزي منذ 27 عاماً كمرتكز اسمي لسياسته النقدية، والذي خدم، وما يزال يخدم الاقتصاد الوطني بشكل فعّال، خصوصاً خلال الأوقات التي تعرض فيها الاقتصاد الوطني لصدمات وتحديات خارجية. فما تزال الثقة بالدينار الأردني، الذي يُعد أحد أهم أساسيات استقرار الاقتصاد الأردني، مرتفعة محلياً، وخارجيًّا على مستوى المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي من مقرضين ومانحين ومستثمرين.
ومما يعزز استقرار سعر صرف الدينار وثباته امتلاك المركزي الأردني لرصيد مريح من الاحتياطيات الاجنبية يبلغ حالياً 16.8 مليار دولار، وهو مستوى يكفي لتغطية 8.7 شهر من مستوردات المملكة من السلع والخدمات، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف المعدل المتعارف عليه دولياً البالغ 3 أشهر.
وعلى الرغم من قيام المركزي الأردني برفع أسعار الفائدة أكثر من مرة خلال العام الحالي، إلا أن أبرز المؤشرات الاقتصادية تظهر أداءً ايجابياً، لا سيما ما يرتبط منها بالقطاع الخارجي، وبشكل خاص الدخل السياحي الذي يتعافى بشكل يفوق التوقعات، محققًا نمواً نسبته 161.6 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، إلى جانب مواصلة الصادرات تحسنها لتنمو بنسبة 43.4 % خلال النصف الأول من عام 2022، هذا فضلاً عن النمو في تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج بنسبة 0.8 % خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي. وواصلت الودائع لدى البنوك نموها المرتفع، على أساس سنوي، حتى شهر تموز من هذا العام، وبنسبة بلغت 8.7 %، كما سجلت التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل البنوك خلال نفس الفترة نمواً سنوياً نسبته 7.1 %.
قبل أيام قليلة أكد محافظ البنك المركزي الدكتور عادل شركس، خلال “منتدى السياسات العالمي لتحالف الشمول المالي (AFI) لعام 2022″، على قوة مؤشرات المتانة المالية في النصف الأول من عام 2022، التي أظهرت انخفاض نسبة الديون غير العاملة إلى إجمالي الديون لتبلغ 4.6 %، مقارنة مع 5.0 % في نهاية عام 2021، وارتفاع نسبة تغطية المخصصات للديون غير العاملة لتبلغ 83.4 %، مقارنة مع 79.9 % في نهاية عام 2021. كما بلغت نسبة كفاية رأس المال 17.1 % في نهاية النصف الأول من عام 2022، وهي أعلى من النسبة القانونية المحددة من البنك المركزي الأردني البالغة 12 %، والحد الأدنى المقرر من لجنة بازل III البالغ 10.5 %.
ويعكس الأداء القوي للمؤشرات النقدية والمصرفية، فضلاً عن مؤشرات القطاع الخارجي، الثقة بمصداقية السياسة النقدية وقوة الجهاز المصرفي ومتانته، وكذلك الثقة بالاقتصاد الأردني والنظرة المستقبلية الايجابية المتنامية له، بشهادة المؤسسات الدولية، ووكالات التصنيف الائتماني العالمية، وآخرها قيام وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني بتثبيت التصنيف الائتماني السيادي للأردن طويل الأجل ليبقى عند مستواه المرتفع، والنظرة المستقبلية الإيجابية، إلى جانب تثبيت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للأردن عند نفس المستوى مع نظرة مستقبلية مستقرة.
لم يعد أحد يساوم على مصداقية البنك المركزي ونجاعة القرارات التي تصدر عنه، فمع كل قرار يثبت المركزي أنه غير غافل عن أية تبعات لقراراته المتعلقة برفع أسعار الفائدة، بحيث يوازن ما بين سياسة رفع أسعار الفائدة للحفاظ على الاستقرار النقدي وتوفير نوافذ تمويلية للقطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية بأسعار فائدة تفضيلية وشروط ميسرة.
إن موجات الشد العكسي بدأت تخفت بمرور الوقت، ليؤكد مرةً أخرى بأن المركزي حاضر وبقوة على المشهد الاقتصادي الداخلي والخارجي وكما هو المعتاد.