لقد وصل كوكبنا إلى وضع حرج , حيث أثر الجفاف وخصوصاً هذا العام على جميع البلدان , وإرتفعت الحرارة في بلدان لم تشهدها من قبل وتغيّر المناخ فسادت الأعاصير والفيضانات والرياح بوضعٍ غير مألوف ,كل ذلك نتيجة التغير المناخي وسببه الأول الإحتباس الحراري الناجم عن الزيادة في الغازات الدفيئة وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون , وسببه الرئيسي إستخدام الوقود الإحفوري أي البترول الذي تستهلك منه البشرية يومياً قرابة 100 مليون برميل للصناعات والتنقل والتدفئة , أي ما يعادل 80% من إمدادات الطاقة في العالم , فإذا لم نجد الحلول المناسبة فإن عالمنا سيدخل مرحلة الخطر في العقد القادم . إن أحد الحلول لتقليل إنبعاث الغازات الدفيئة إنطلقت من مؤتمر جلاسكو للمناخ عام 2021 عندما إستقل رؤساء الوفود المشاركة باصاً من طابقين يعمل بالهيدروجين الأخضرلتوصيلهم للمؤتمر ,حيث دق رؤساء الوفود ناقوس الخطر لإيجاد البدائل وأهمها الهيدروجين الأخضر Green Hydrogen
يُنتِج العالم سنوياً 70 مليون طن هيدروجين , يمثل الهيدروجين الأخضر 1% من هذا الإنتاج , ومن المؤمَل بحلول عام 2050 أن يُغطي الهيدروجين الأخضر 25% من إحتياطات الطاقة في العالم, بإستثمارات تبلغ 10 ترليون دولار , حيث يُستخدَم الهيدروجين الأخضر فيما يلي:
1) الصناعات مثل صناعة سماد الأمونيا الأخضر والمواد الكيميائية مثل الميثانول .
2) إزالة الشوائب أثناء تكرير النفط .
3) التنقل والشحن: لإستخدام السيارات والشاحنات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية, وسفن الحاويات التي تعمل بالأمونيا السائلة المصنوعة من الهيدروجين.
4) بديل للغاز الطبيعي للطبخ والتدفئة في المنازل , ومصدر للحرارة بدلاً من الفحم في مصافي الفولاذ الأخضر التي تحرق الهيدروجين.
5) توليد الكهرباء من خلال توربينات كهربائية تعمل بالهيدروجين خصوصاً في أوقات الذروة أو في الحالات الطارئة عند إنقطاع الغاز لدعم الشبكة الكهربائية, أو خلال التقلبات الفصلية وخصوصاً في فصل الشتاء عند غياب الشمس لفترات لصعوبة إستخدام الطاقة الشمسية لدعم شبكة الكهرباء, إضافة إلى ذروة الليل عند غياب الشمس , حيث يكون الهيدروجين الأخضر المخزن البديل لدعم الشبكة الكهربائية.
6) يتم إنتاجه وتخزينه كغاز مُسال يتم إستخدامه عند الحاجة وبيعه والإستثمار به من خلال خطوط الغاز أو الشحن البحري والبري كناقل للطاقة الكيميائية كالنفط والغاز, ويمكن مزجه مع الغاز الطبيبعي بنسبة تصل إلى 20% .
هناك أنواع من الهيدروجين حسب الإنبعاثات الكربونية:
النوع الأول: نوع يُنتج صفر إنبعاث مواد كربونية وثاني أكسيد الكربون والذي سنتحدث عنه في المقالة, حيث يتم إنتاجه بالتحليل الكهربائي للماء بإستخدام طاقة كهربائية حيث من الأجدى أن تكون طاقة شمسية أو طاقة رياح ليتم إنتاج الهيدروجين الأخضر والأوكسجين والذي تزيد تكلفة إنتاج كيلوجرام منه عن 4 دولار .
النوع الثاني: هو الهيدروجين الأزرق يُنتَج بإعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار والمستخرج من الوقود الإحفوري , ولكن يتم تقليل الإنبعاثات الكربونية وذلك بإحتجازها وتخزينها حيث تقل كمية الانبعاثات إلى النصف, وتبلغ تكلفة إنتاج كيلوغرام منه دولارين على الأقل .
النوع الثالث : هو النوع الأكثر إنبعاثات كربونية فهو إما بُنياً إذا اُنتج من تحويل الكربون في الفحم إلى مركبات غازية , أو رمادي إذا تم تصنيعه من خلال إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار والمستخرج من الوقود الإحفوري والذي تبلغ تكلفة إنتاج كيلوغرام منه حوالي الدولار.
إن التحدي الآن هو السعر المرتفع لإنتاج الهيدروجين وخصوصاً تكلفة المحلل الكهربائي حيث قالت وكالة الطاقة الدولية إن تكاليف المحلل الكهربائي قد تنخفض للنصف بحلول عام 2040 , إضافة زيادة إستهلاك الهيدروجين الأخضر للطاقة أثناء الإنتاج , وهناك تحدي آخر يتعلق بالسلامة كونه قابل للإشتعال السريع مما يحتاج إلى تدابير أمان لمنع التسرب والإنفجار, وحجمه الذي يفوق أربعة أضعاف الغاز الطبيعي , حيث يتطلب تخزينه ضغطاً يصل إلى 700 ضعف الضغط الجوي وتبريد يصل إلى 253 درجة مئوية تحت الصفر.
حسب إحصائيات مؤشر بلومبيرغ لإقتصاد الهيدروجين تم ترتيب أول سبع دول المصدرة للهيدروجين الأخضر كالتالي: أستراليا أولاً ثم يليها اليابان ثم النيروج وبعدها كوريا الجنوبية ثم السعودية ويليها الولايات المتحدة وأخيراً ألمانيا .
أما بالنسبة للأردن فهي مهيئة تماماً لإنتاج الهيدروجين الأخضر لموقعه الجغرافي المتميز , حيث يقع ضمن الحزام الشمسي 5-7 كيلو واط في الساعة لتوليد الطاقة الشمسية , وكذلك بالنسبة لطاقة الرياح حيث أن محطات الرياح تحتاج من 7-8.5 متر/ثانية وهذا ما يتوفر في الأردن , لذلك فإن طاقة التحليل الكهربائي متوفرة وبكميات كبيرة , إضافة إلى إمكانية بناء محطة كبرى لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الجنوب وتشتمل على مصانع الأمونيا الأخضر والميثانول وغيرها لقربها من ميناء العقبة , حيث تتيح الفرصة أيضاً لتصدير جميع هذه المنتجات بعد تغطية السوق المحلي , لذلك يجب الإسراع بإعداد الدراسات المطلوبة مع الشركات الألمانية والهولندية والأسترالية وغيرها , وطرحها للإستثمار بأسرع وقت ممكن من خلال الصناديق السيادية العربية الإستثمارية, أو للشراكات مع الشركات الأوروبية والصينية, ما نحتاجه هو وضع خارطة طريق لمستقبل الهيدروجين الأخضر في الأردن, والجرأة بإتخاذ القرارات التي من شأنها الإسراع بالإنتاج بعد الإعداد السريع والدقيق لدراسات الجدوى الإقتصادية , وخصوصاً أن هناك إتفاقية بذلك تم توقيعها مع الشركة الأسترالية Fortescue Future Industries
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
مستشار مجموعة DDL الأمريكية-CDAG
mhaddadin@jobkins.com