لقد إقتربت الحرب الروسية – الأوكرانية هذا الإسبوع من مفترق طرق ,عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً نتيجة لتسارع الأحداث, إرتبطت معاً لتعطي مدلولات غير مباشرة ربما لإنفراج قريب في إيقاف الحرب الروسية - الأوكرانية, لندخل في التفاصيل وبدون مقدمات.
بعد الهجوم المعاكس الذي قامت به القوات الأوكرانية مدعومة من الغرب إستخباراتياً وبأسلحة متطورة وموجهة بالأقمار الإصطناعية والذي إنتهى بإسترداد قرابة 6000 كلم مربع من الأراضي التي إحتلتها روسيا حسب المعلومات الغربية , لم يأتِ الرد الروسي إلا بعد قمة شنغهاي وإجتماع بوتين بحلفائه الصينيين, لقد كان هناك قرارات روسية رئيسية:
1) إعلان الإستفتاء على أربع مقاطعات إحتلتها روسية خلال السبعة أشهر الماضية وهي: دونيسك ولوهانسك وزاباروشيا وخيرسون هذا الإسبوع.
2) إعلان التعبئة الجزئية في روسيا وذلك بزيادة قدرها 300 ألف جندي لدعم القوات التي كانت تقاتل بها بأوكرانيا وعددها 195 ألف جندي ليدافعوا عن خط طوله 1000 كلم, ليصبح المجموع قرابة 500 ألف جندي روسي, حيث تقول روسيا أنها خسرت لغاية الآن 5937 جندي .
3) الإعلان الرسمي لإستخدام السلاح النووي كجزء من العقيدة القتالية الروسية عند الضرورة للدفاع عن أراضيها.
إن أبعاد القرارات الروسية السابقة إستراتيجياً وفي هذا الوقت ما يلي:
1) الإستفتاء يعني أن الأربع مقاطعات ستصبح جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية بعد 27 من شهر أيلول الجاري, وأي إعتداء عليهم أو محاولة إستردادهم يعني الإعتداء على موسكو, وتتيح العقيدة العسكرية الروسية الدفاع عنهم حتى بإستخدام السلاح النووي.
2) في حالة الجلوس الفوري على طاولة المفاوضات مع الغرب, سيكون لدى روسيا ما تفاوض عليه بسقف أقله جعل هذه المناطق التابعة لروسيا منزوعة السلاح على إمتداد 1000كلم من الحدود الروسية وبعمق يتراوح من 100-150 كلم.
3) هذه القرارات ستعمل على الإرتفاع بأسعار النفط مما يعني مزيداً من الضغوط على الحكومات الأوروبية من قبل شعوبها ونحن على أعتاب فصل الشتاء .
4) هل هناك خطة مبيتة لإستدراج القوات الأوكرانية لتتجمع قريبة من المنطقة الشمالية الشرقية من أوكرانيا وعددها الكلي 90 ألف جندي نظامي إضافة إلى المتطوعين, بعد سقوط 110 ألف جندي بين قتيل وجريح(61 ألف قتيل و49 ألف جريح) حسب وزارة الدفاع الروسية, من أصل 200 ألف جندي نظامي كانت تقاتل بهم أوكرانيا يضاف لهم ممن تطوعوا .
وبالتالي الإطباق عليهم والزحف على العاصمة كييف مع بداية فصل الشتاء , وهذه خطة مكررة فعلتها روسية سابقاً بالقوات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1942,عندما سمحت روسيا للقوات الألمانية بالتقدم بالعمق الروسي في منطقة ستالنغراد وأنقضت عليهم , وهذه الخطة ستنفذها روسيا بتهديد إستخدام أسلحتها النووية إذا كان هناك مشاركة فعلية على أرض الميدان من الغرب , أو تزويد الأوكرانيين بالأسلحة التي تجعلها تقلب الموازين أو تستهدف الأراضي الروسية ومن ضمنها إستهداف الأربع مقاطعات.
5) إيقاف تزويد العالم من السلع الإستراتيجية وخصوصاً القمح , التي صدّرت روسيا كمية قليلة منه وإدّعت ذهابه إلى أوروبا بدل من الدول الفقيرة , وخصوصاً أنه لا يزال أكثر من 90% لم يتم تصديره من أصل 20 مليون طن, وهذه ورقة ضغط أخرى روسية.
6) تسرب الدول الحليفة للغرب للإنضام لقمة شنغهاي وهذا يعمل ضغط على الغرب والولايات المتحدة.
وعلى الجانب الآخر, فإن الغرب إستنفذ جميع خياراته وهي:
1) فشل الحصار الإقتصادي على روسيا , حيث نعتوه النواب الأوروبيين بالفاشل.
2) تمكن روسيا من تصدير النفط والغاز إلى شركائها وحلفائها بسهولة.
3) عدم التوفيق بإختيار الوقت المناسب لدفع ورقة تايوان , وخصوصاً عدم إنجرار الصين لإحتلال تايوان, أدى إلى تمسك الصين بحليفتها روسيا.
4) الرفع الأخير للفائدة ب 75 نقطة من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي ,سيؤدي إلى الإضرار بالعملات الأوروبية (اليورو والجنيه الإسترليني), وعملات دول أخرى صديقة , مما يعني إرتفاع أكثر بالأسعار ومزيد من الضغط على هذه الإقتصادات.
5) الضغوطات الشعبية الأوروبيةعلى حكوماتها من خلال المظاهرات وإستقالات لحكومات سابقة كل ذلك يزيد الضغط على الولايات المتحدة.
في الختام ومن الإستنتاجات السابقة نرى أن هناك مصلحة إستراتيجية روسية أمريكية وأوروبية لإنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية والجلوس على طاولة المفاوضات اليوم قبل الغد, لكن من هو الوسيط الذي سيدفع بقوة لإنهاء هذه الحرب, فقد عرضت الصين وساطتها لتسوية الأمر وجلوس جميع الأطراف على طاولة واحدة بإنتظار الرد الغربي.
م.مهند عباس حدادين
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز الأمريكية
الخبير الإقتصادي والمحلل الإستراتيجي
mhaddadin@jobkins.com