سلامة الدرعاوي - صحيح أن ما سمي بالربيع العربي انتهى واقعياً في الأردن لأسباب موضوعية متعددة لا مجال لذكرها في هذا المقال الاقتصادي، لكن على ما يبدو أن حالة التنمر الشعبي خرجت من إطارها السياسي وتحولت لاستقواء من خلال العبث بالشركات بواسطة الاحتجاجات العمالية، خاصة في تلك التي بها نسبة استثمار أجنبية عالية.
الملاحظ في المطالبات العمالية في الشركات وتحديداً الكبرى منها مثل الفوسفات والبوتاس والإسمنت وقبلها المصفاة والكهرباء وغيرها من الشركات التي اجتاحتها احتجاجات عمالية كبيرة خلال السنوات الماضية كانت كلها تتم خارج إطار القانون والقضاء، فجميعها بلا استثناء كانت تتم التسويات في إطار ضغوطات الشارع وتنامي الاعتصامات والاحتجاجات أمام مقار هذه الشركات.
حتى بعض التسويات التي تمت بمشاركة النقابات العمالية كان بعض العاملين يلتفون عليها ويتبنون مطالب استثنائية غير قانونية، متسلحين بضغط الشارع واحتجاجات واعتصامات حتى لو كان عددهم قليلاً.
الخطورة في هذه المشهد هو تنامي حالة الكراهية التي تسود بعض الأوساط العمالية تجاه المستثمر الأجنبي، وأرباح الشركات أيضاً، فمعظم المطالبات العمالية في الشركات الكبرى تستند في شعاراتها أو مضمونها إلى أن هذه الشركات تحقق أرباحاً عالية تذهب إلى أجانب ونحن أولى بهذه الأموال.
للأسف أنا سمعتها شخصياً من بعض المتقاعدين الذي تحدثوا معي بعد مقال “مطالب تقاعدية تعجيزية”، في الوقت الذي لم أجد أي إجابة منهم حول عدم لجوئهم للقضاء للحصول على ما يطلبونه كما هو حاصل في معظم دول العالم، بدلا من اللجوء للشارع.
المؤسف في الأمر هو موقف الحكومات المتفرج على هذه الظاهرة، والسنوات السابقة كانت مليئة بمثل هذه المشاهد المؤسفة التي وقفت الحكومات بموقف الضعف تجاه هذه المطالبات العمالية، والتي بعضها ادخل الشركات في نفق الخسائر والتصفية كما حصل في شركة الأسمنت الأردنية التي تعرضت لطلبات مالية غريبة عجيبة حتى في الوقت الذي كان فيه المصنع متوقفا عن العمل.
موقف الحكومات المرن لا يفهم من بعض العاملين إنه موقف مؤيد لهم، ولكن في الحقيقة هو موقف ساكن لا يتحرك إلا في حالات صعبة ومحددة، لكنه يعمل بصمت وبهدوء في بعض الحالات، تجنباً للاحتجاجات العمالية، وتحسباً لأي شي غير رشيد قد يحدث من قبلهم.
من يصدق أن شركات مثل الفوسفات والبوتاس دفعوا مئات الملايين من الدولارات كتعويضات سخية لعامليها الذين ما يزال بعضهم ينقم على هذه الشركات بأنها لم تعطهم حقهم، وهم من قاموا ببنائها وعظموا دورها الإنتاجي، وهذا شعار يستخدم بكثرة الآن من قبل بعض هؤلاء العمال باعتبارهم هم من بنوا الشركات، علماً أن غالبيتهم حصلوا على وظائفهم بهذه الشركات بعد واسطات كبرى، وكان هناك آلاف الأردنيين ممن ينتظر دوره للعمل فيها ويحسدون هؤلاء العاملين على وظائفهم وامتيازاتهم، وبالتالي من المنطق ألا يحمل أحد تلك الشركات أي فضل في عمله فيها، فقد أخذوا امتيازات ومكتسبات مالية كبيرة مقارنة مع نظرائهم.
الشركات الكبرى لها مالكون ومساهمون دفعوا أموالهم ومدخراتهم في هذه الشركات، ولا يجوز للعاملين العبث بأمن ونشاط هذه الشركات لأنه ستؤثر سلباً على ملكياتهم وقيمة أسهمهم واستثماراتهم، والحكومة مطالبة بموقف حازم لحماية هذه الشركات التي في حال التراخي مع بعض المطالب، فإنها ستفتح الباب “لاستباحة” الشركات الأخرى بمطالب مالية تعجز عنها، وتدخلها في نفق الخسائر والتصفية، مما ستكون له تداعيات سلبية كبيرة على بيئة الاستثمار، فالعقل يقتضي ان يكون القانون والقضاء هما سيدا الموقف للحكم فيه المطالبات، وهنا المفصلان العادلان والنزيهان لوضع الحقوق والبت فيها وإنهاء حالة اللجوء الشعبوي العمالي للشارع.