في ربوع العالوك الخضراء ..قريبا من بلوطها الشامخ ..المغرق في قدمه حد الرومان .
وعلى اطراف «السحاره « المطلة بجذل على نهر الزرقاء.. ولد ضيف الله القلاب شيخا «على ساس» بالقرب من قصر شبيب نشأ وكبر قبل أوانه ..شابا يافعا ..بدويا محنكا يخوض غمار انتخابات مجلس بلدية الزرقاء في مدارج شبوبيته ويحقق الفوز نائبا للرئيس لعدة دورات، ثم ممثلا للشعب في مجلس النواب الاسبق.
في نهاية شارع السعادة افتتح مكتبا لبيع العقارات وتسويقها .. فبرع في تسويق القيم والمثل والاستقامة، لم يسع الى جمع المال، فجمع الحب والاخلاق والود، وزرع في دارته في السحارة ريحانة تفوح بعطرها على القنية شمالا وعلى العالوك غربا وعلى صروت جنوبا، لعله يعرف ان الريحان حين يضرب جذوره في الارض ينبت الحب والخزامى، لعله يعرف قصة الدحنون حين يميل برأسه التاجي على « الصفاة المحيفه « فيحيلها الى «بختري ونوار «.
وحين لبس عباءة الشيخه كابرا عن كابر، وجلس في مضافته في شارع 36 في الزرقاء الجديدة، يركب سيارته مع السابعة صباحا، ويحل رسنها حين تلوذ الشمس بجبال جبه مودعة نهارا متعبا، امضاها أبو فيصل في دائرة حكومية هنا، او في عطوة هناك،وعلى باب الحوش يرحب بضيوف المساء من اصحاب الحاجات، فيضرب لهم موعدا بالغد لمراجعة وزير او محافظ او مدير امن .
كنت محظوظا وانا ارافق والدي مئات المرات الى مضافته التي يفوح منها بهار المحماسه،ويفيض فيها عبير المهباش .
قبل اربعة عقود ونيف كان ضيف الله كبيرا، مهابا، ذا رأي سديد، يقول الحق والحقيقة، لم اره في يوم من الأيام التي خلت الا كبيرا بالقدر وبالعمر وبالشيب والحكم .
في مرج الفرس، رأيته فارسا،رأيته كبيرا، اكبر مما كنت اراه .
لله درك يا ابا فيصل كيف صرت الى ما صرت اليه ..وكيف يكبر الرجال حين يتحولون الى عمالقة يرفعون صوتهم بالحق ولو كره الكارهون.
الليلة وانا اتفقد شماغك المهدب بالعز والفخار، رأيت بين ثناياه دحنون العالوك وقعفور السحاره، شممت في شماغك ريحانة صروت وربحلا الحوايا عند ملتقى سفوح الهوا مع وادي حنبزه .
يا راعي المليحا وفارسها، اشدد عليها السرج، وقل لهم «يأخذون على رأسها « فثمة اردنيون لا يطلقون لصمة الغضب الا لعدو جائر .. اردنيون يغضبون .. في غضبهم حكمة لقمان ..وقوة شمشون .
لكنهم سرعان ما يفكون اللصمة ويبتسمون للضيف .. الا يقولون : الضيف ضيف الله .
يا ابن قلاب وعامود البلقا .. البلقا تلقا ..وقد لقت ووقت، لا تترك رسن المليحا وانت خيالها وفارسها المهاب.
اليوم رأيت والدي يجلس في مضافتك، وانت تخاطبني بمقولتك المحببه :»ولد اخوي» .
يا ابن قلاب « لا تحول عنها « واسعى الى عطوة جديدة لحقن دم الاخوة .. وتهدئة النفوس.
اطال الله في عمرك وابقاك فارسا شامخا ناثرا للخزامى على دروب الاردنيين كما انت دوما .