عمي عيسى، وهو كائن مربع، مثل والدي، لكنه أشد اسمرارا- كانوا يسمونه الأخضراني- مع عينين غائرتين ووجه يبدو مبتسما بفم مفتوح ، وبذلة داكنة، كانت تميزه في حارتنا، لأنه الوحيد الذي كان يرتدي هذه البذلة بالذات بشكل دائم.
كان عمي يقرأ يطالع الكتب، وهذه ميزة ثانية له في حارتنا، عندما سمع صراخ جارتهم كاترينا-وهي ثالث كاترينا في حارتنا، امرأة طويلة بنظّارات عملاقة ووجه متوجس، ثمة وشوم زينة على وجهها، وأنف منتصب بعنجهية، وبقايا جمال، لم تستطع السنين محوها بعد.
نهض بتثاقل
- شو فيه يا حرمة ....مالك بتعوصي؟
- الحيّة..الحيّة يا ابو سمير
- مالها الحية؟
- الحيّة .. بلعت زغاليل الحمام.
كان للأخضراني بارودة قديمة، ومع أنه كان عسكريا في السابق، إلا أن عمله كان في مجال اللاسلكي والبرقيات، ولم يطلق رصاصة قط. لكنه اليوم حمل البارودة، وعبأها، ثم نزل للشارع وقطعه دحلا، الى بيت كاترينا المقابل، يحمل بارودته على كتفه، لكأنه في مهمة عسكرية، لم يحظ بها خلال عمله.
وضعت كاترينا السلم الخشبي على الجدار الحجري، حيث كانت تثبّت أربع تنكات مثقوبة، تربي فيها الحمام، وقالت لعمي :
- هون دخلت الحية في الخزق اللي تحت التنكه الثالثة.
صعد عمي بتثاقل، يحمل جسده المكتنز. نظر في الثقب.
- ما فيه لا حيّه ولا ميه.. لا تكوني بتتخيلي يا كاترينا؟.
- والله .....والله يا ابو سمير شفتها بعيوني اللي رح يوكلهم الدود.
- بجوز تكون ابو بريص.
- قال ابو بريص قال!! ..بقولك حيه..أنا غشيمة عن الحيايا يا زلمه.
بتباطؤ حذر، أنزل عمي بارودة القنص عن كتفه، طارت الحمامات المتبقية، وضع فوهة البارودة في الثقب.... نظر مثل قناص محترف، بعين مغلقة...وأطلق النار:
- بوم
ثم صوت سقوط مروع للأخضراني، وسقط السلّم فوقه.
قوة دفع البارودة كانت أقوى منه فسقط على ظهره.... سقطة قوية.
لحظة صمت رهيب، لم يكسره إلا صوت الأخضراني وهو يصرخ ويتوجع، دون ان يستطيع النهوض.
جاءت كاترينا فوق رأس عمي :
- مالك يا أبو سمير.. فيك شي؟.
قال عمي وهو يتألم:
- اسأليني شو ما صار فيي.
حاولوا إسناد عمي ، لكنه كان يتألم بشدة، ويكاد يبكي .
نظر أبو سمير الى كاترينا وقال لها:
- طابلكي يا كاترينا؟؟..