قبل أيام تناقلت بعض الجهات تصريحا لمسؤول سابق، نبوءته بعودة الربيع العربي، ولو كان في سدة المسؤولية لما أطلق عليه هذا الاسم، لأنه في الحقيقة صيف حارق، غارق بالفوضى واللامنطق، يستهدف نشر الفوضى والخراب في المساحة العربية، ولا أحد يمكنه أن يقنع المراقب والمتابع والمحلل بأن موجة تلك الفوضى التي غزت العالم العربي، تركت خلفها شيئا جميلا أو ربيعا أو أبقت على الأمل المتواضع لدى العربي المهموم بألف تحد وقضية..فهي مرحلة سيئة لا تقل خطورتها على العالم العربي عن خطورة الاستعمار، فكثير من البلدان العربية غدت خرابا بعد هذا الربيع المزعوم، وهو ربما يستحق هذا الاسم حسب منطق من يستهدف أمن واستقرار أو على الأقل بقاء حال العرب كما كان قبل الربيع المزعوم.
ليس جديدا القول بأن المملكة الأردنية الهاشمية، واحدة من الدول التي قدمت نموذجا ملهما في تعاملها مع ذلك الغزو الشيطاني، الذي رفع شعارات إصلاحية، بينما كانت النتيجة خرابا وفوضى ودمارا لكثير من البلدان، وزوالا للمعارضات الراشدة التي كانت تملك فكرة وطنية في تلك البلدان، وحين نريد أن ننسب الفضل لأهله، بالنسبة للنموذج الأردني، فإن أول اسم في قائمة أصحاب الفضل هو النظام السياسي الأردني، الذي كان وما زال يمكنه أن يقوم بدور حازم ضد كل أشكال ومحاولات الفوضى، وسينجح بالطبع، لكنه قدم نموذجا عقلانيا احتوائيا، وصبر على كل التجاوزات وأبدى تعاونا كبيرا وليونة ومرونة متميزة، لا يمكن أن تقوم بها أنظمة أخرى، لا من جماعة «الآن فهمتكم»، ولا «زنقة زنقة»، ولا استراتيجيات تشبه «موقعة الجمل أو رابعة العدوية»، ولا من نوع اللجوء لقوى خارجية وعصابات للرد على العصابات..
أما الجهة الثانية التي قدمت نموذجا مستحيلا، واحتوت الفوضى وتعاملت معها بكل عقلانية، ووطنية ومهنية وعواطف حقيقية تجاه الناس، فهي الجهات الأمنية والعسكرية الأردنية، فكانت الأم الرؤوم بأبنائها، وهي الجهة التي تعتبر فعلا درع الوطن الصامد والحاني في الوقت نفسه، وصمام الأمان، فوق اختصاصها بالأمن وحماية أرواح وممتلكات الناس، وهذا بالضبط ما قدمه وفعله جهاز الأمن العام، الذي كان وما زال حاضرا بذهنية وطنية وإنسانية في الشارع، وما زال مستهدفا حتى اليوم، وعلى عاتقه وثقة به نستطيع القول للمسؤول السابق الذي نحترمه (فال الله ثم الأمن ولا فالك)، رغم علمنا بأنه إن قالها،فلم يقلها بغير الإطار السياسي الوطني الاستقرائي الذي عرفناه عنه، فهو خارج المسؤولية ويمكنه ان يقول ماشاء، لكنه في قلب تاريخ ونبض وطنه.
هذا التزامن المثير بين الأحداث، يأتي بمناسبة تغيير قائد الجهاز الأمني الكبير «الأمن العام»، ونشاهد في مجال النظر المتاح، تشويشا، موجها أو عفويا متطوعا، يسهل تسييله في قنوات الجهات المستفيدة من أي تشويش ضد بلد، جابه وفكر وقرر وتعامل مع الفوضى بمرونة، وصمد، وقدم دروسا سياسية وعسكرية وأمنية لم تكن في وارد المتفائلين ولا المتشائمين ولا المتابعين المحايدين.. الأردن كما في كل مرة «صامد»، لا يتأثر بالتشويش، ويفهمه.
فالباشا المعايطة، رجل أمن ميداني عقلاني ذكي، له تاريخه المهني، وهو لم ينقطع فعلا عن واجبه ودوره، إنما «ظفر» باستراحة بسيطة، وعاد ليحمل الحمل الكبير، ومهما كبرت المشاكل والتحديات وعواصف التشويش، و»توعير» الطريق أمامه، إلا أنه يتمتع بالكفاءة المطلوبة، ويدرك حساسية الظروف التي تولى فيها الأمانة الكبيرة، والتي تكون أكبر من همها وحجمها الطبيعي، حين يغادر مسؤول ويحل مكانه مسؤول آخر..
الصورة واضحة والصوت، ولا مكان أو مكانة للتشويش وأهله وجهاته وتجاره، ومهما تحالف وتكاتف، فالأمن «يقظ»، راسخ هنا رسوخ التاريخ الأردني.