هل تتحمل الحكومات، وحدها، مسؤولية ما نعاني من مشكلات، وما وصلنا إليه من انسدادات؟
أسهل ما يمكن أن نفعله هو أن نصرخ جميعا بـ»نعم» كبيرة، ثم نباشر ما تعودنا عليه من حملات انتقاد، وورشات شكوى وتذمر، نواجه بها المسؤولين دون استثناء، ونمطرهم بما يخطر على بالنا من كلمات قاسية، وما يلزم من اتهامات ولعنات.
حين نفعل ذلك، نعتقد أننا قمنا بالواجب، وأن ضمائر مرتاحة بما يكفي للنوم بلا أية كوابيس، السؤال الذي نهرب منه، ونتواطأ على إبقائه مكتوما، ولا نصارح به انفسنا، هو: هل نتحمل قسطا من هذه المسؤولية؟ وهل ما فعلنا بأنفسنا، ربما، يكون أسوأ مما فعلته الحكومات بنا؟ هل الحكومات، ومعها المسؤولون، يتدخلون بتفاصيل حياتنا، وبالتالي فإن اخطاءنا مجرد ردود أفعال، أو إكراهات لا يد لنا فيها، أم أنها خياراتنا، وقراراتنا، واخطاؤنا أيضا؟
آخر ما يخطر ببالي أن أصدر «صكوكا» ببراءة الحكومة، اية حكومة، او أن أدافع عن المسؤولين، مهما كانت إنجازاتهم أو إخفاقاتهم، تلك ليست مهمتي لسبب بسيط، وهو أن لسان الحكومات أطول من لساني، وهي أقدر مني على الدفاع عن نفسها، لكن من واجبي أن أصارح القارئ الكريم أن مجتمعنا مزدحم بالأخطاء، وأن الاعتراف بها ـ لا سيما من قبل من يتولون تمثيلنا او التحدث باسمنا- فضيلة وطنية، وهو أقصر طريق لتجاوزها، ثم استعادة ما فقدناه من عافية، وما نحتاجه من حلول لمشكلاتنا المستعصية.
قائمة أخطاء مجتمعنا طويلة، لايمكن اختزالها بعناوين محددة، بعضها اصبح جزءا من شخصيتنا العامة، توارثناه جيلا عن جيل، وبعضها يندرج في باب النوازل والمستجدات، لم نفلح، للأسف، بمعرفة أسبابها بشكل واضح، كما لم نفلح بمواجهتها بالشكل المطلوب، لإننا ما نزال نعلقها على مشاجب الآخرين، ولا نعدم تبريرها، أو انتظار من يضع لها حلولا بالنيابة عنا، والأسوأ أن بعضنا اصبح يتفاخر بها، وكأنها جزء من تقاليدنا وموروثنا الاجتماعي، وهي بالتأكيد ليست كذلك.
أشير إلى أربعة عناوين، تشكل الوجه الآخر لما فعلناه بأنفسنا، وما نرتكبه من أخطاء، خذ -مثلا- عنوان السياسة، ما زال ثلثا الأردنيين عازفين عن المشاركة بالعمل العام، صورة المعارضة لا تختلف عن صورة الحكومات، بل تبدو،أحيانا، أسوأ، نتدافع لإدانة الفساد، وشتم الفاسدين، ثم نقف مدافعين عنهم إذا كانوا يتشاركون معنا بالنسب، او تربطنا بهم مصلحة، نتهم المسؤولين بالتقصير وعدم الكفاءة، ثم نتسابق لتصديرهم مجالسنا، أو اختيارهم ناطقين باسم»جاهاتنا»، نطالب بوقف الواسطة، ثم لا نترك بابا حتى نطرقه للبحث عمن يتوسط لنا، باختصار نحن نمارس أسوأ السياسات، ونتخذ أسوأ الخيارات والقرارات، ثم لا نعترف أننا مخطئون.
خذ، ثانيا، عنوان الاقتصاد، نلوم الحكومات على التبذير والإنفاق غير المناسب، ونحن نستدين لشراء ما لا يلزمنا، ونبذّر حتى وإن كان لدينا القليل من المال، نحن نمارس الاستعراض، ونتفنن بالوجاهات الكاذبة، ونعتمد على معيل واحد، ولا يقبل أبناؤنا أي عمل، ما لم يكن فيه سلطة الوظيفة، ونهرب من أرضنا وما فيها من خيرات، ونصر على الهجرة لعمان، والمدن الكبرى، حتى لو لم نجد فيها مأوى أو وظيفة، بعضنا يطارد الفقر، ويبحث عنه، دون أن يكلف نفسه البحث عن السبب، وغالبا ما يكون فيه نفسه، ندفع لتدريس أبنائنا بالمدارس الخاصة معظم دخولنا، مع أن الواقع يقدم لنا أمثلة لطلبة فقراء أبدعوا في مدارس حكومية، حين اعتمدوا على أنفسهم ..الخ
خذ، ثالثا، عنوان «التدين»، نحن اكثر من يتحدث عن المحبة، واكثر من يمارس الكراهية، نحن نتعبد في المساجد، ثم نخرج للأسواق بقليل من الاخلاق، نحن نفهم الدين بما يصب في خلاصنا الفردي، ولا نفكر بمصالح غيرنا، ولا بالهموم العامة، نشكو من ارتفاع نسب العزوف عن الزواج، ونصر على طلب المهور العالية لبناتنا، ندافع عن المرأة والزوجة، وأغلبنا يتعامل معهم بما لايليق، باختصار تديننا لا تتدخل، غالبا، فيه الحكومات، لكننا حولناه إلى سوق للعروض والتنزيلات، والممارسات التي لا علاقة لها بالدين.
من أخطأ أكثر: نحن أم الحكومات؟ جردة حسابات اخطائنا تبدو أطول وأوسع، يكفي أن تذهب يوم الجمعة لحديقة عامة أو متنزه، لترى حالة النظافة، يكفي أن تركب السيارة في الشارع وترى حالة أخلاقيات الطريق ..هل أزيد؟