ماهر أبو طير - طريف جداً هذا التعبير الذي نسمعه دوما نهايات شهر ايلول وبدايات شهر تشرين الأول، أي تعبير “إساءة الاختيار” وهو تعبير مرتبط بحالة محددة، لكنه يثير الخيال حقا.
“إساءة الاختيار” تعبير عن وضع آلاف الطلبة الذين اختاروا تخصصات غير مناسبة، ويتاح لهم مجددا التقدم لتخصصات جديدة، ومن أجل منحهم الفرصة مجددا يقال ان هؤلاء كانوا ضحايا لإساءة الاختيار، وهذا امر إيجابي في بلد ما يزال يعطي شعبه الفرص الكريمة.
لكن التعبير غني جدا، ويثير الخيال كما اشرت، وربما يصلح لتوظيفه في السياسة، وفي السياسات، وفي الاقتصاد، وفي الشؤون العائلية، وفي كل قرارات الافراد والحكومات معا.
“إساءة الاختيار” ليست مرتبطة بطلبة في عمر الثامنة عشرة، فقط، فهي حالة تشمل رؤساء الحكومات في الأردن الذين يسيئون اختيار الوزراء، واحيانا يسيئون اختيار البرامج والسياسة الواجب اتباعها، من بين حزمة سياسات، واحيانا تتجلى “إساءة الاختيار” في خيارات الناس في صناديق الاقتراع، فيختارون من يبيعهم عند اول منحنى، او ذاك الذي يتحول الى معقب معاملات، او في حالات يدير ظهره كليا لمن انتخبوه، فيصيح الناس من “إساءة الاختيار”.
نحن ايضا نعاني في مرات، وليس دائما، من “إساءة الاختيار” بما يتعلق بمسؤولين من درجات مختلفة، وفي مواقع شتى، وكثيرا ما ندمنا ازاء اداء فلان، او بسبب اخطاء هذا او ذاك، والكارثة هنا ان زفة الترحيب بهذا الاسم او ذاك، سرعان ما تتبدد طبولها، امام الاخطاء التي تثبت اننا كنا في حالة ” إساءة اختيار” وخضعنا لعوامل لم تكن عميقة، او منطقية.
القصة تمتد إلى كل سياساتنا الاقتصادية، فنحن دوما نختار توجهاتنا بشكل سيئ، ومن حزمة واسعة من الحلول الاقتصادية، ونلجأ إلى أسهل وصفتين، فرض الضرائب، والاقتراض، كما اننا عند اختيار وزراء الفريق الاقتصادي، نتورط احيانا في وزراء يمثلون التجلي الاعلى لإساءة الاختيار، في ظل ملفات حساسة ترتبط بالاستثمار، او السياسات الاقتصادية، او غير ذلك، بما يؤدي الى تداعيات كثيرة، تترك اثرا على حياة الناس.
حتى في الحياة الزوجية، وامام نسب الطلاق المرتفعة في الاردن، نكتشف ان “إساءة الاختيار” هي المشكلة الاساس، لانه لا يعقل ان تتفجر الكراهية والخلافات مرة واحدة بين الطرفين، لو احسن كل واحد اختيار شريكه، واستبصر طبيعته العميقة، وليست الشكلية، بدلا من ندب الحظ، ورمي القصة على ظهر القدر، والعين والحسد، وقلة المال في مرات.
يمكن القول هنا ان “إساءة الاختيار” ليست مشكلة طلابية فقط، بل مشكلة زوجية، مثلما هي ايضا، مشكلة حكومية وبرلمانية، وسياسية ترتبط بشعاراتنا وسياساتنا التي نتنباها.
لكن هناك فرقا كبيرا في الكلف، فالطالب الذي يسيء الاختيار يتم منحه فرصة ثانية، وهو لا يلام لأنه أساء الاختيار فهو في الثامنة عشرة من عمره، وما يزال يتعلم، فماذا نقول عن الحكومات التي تم تشكيلها على مدى عمر هذه البلاد وكان تشكيلها يعبر عن ” إساءة اختيار” وماذا نقول عن القرارات التي يتبناها الوزراء، مثلا، ويثبت لاحقا، أنها تعبر عن ” إساءة اختيار” من بين حزمة تحوي خيارات افضل، وماذا نقول عن مساهمتنا جميعا بوصول نوعيات نيابية منخفضة الجودة، تعبيرا عن ” إساءة الاختيار” ثم نصير في حالة لطم بسبب اداء هؤلاء، والقصة هنا مفتوحة للمقاربات والمقارنات.
“إساءة الاختيار” هنا مكلفة جدا على هذا البلد، لأنها تلقي بفواتيرها على شعب بأكمله، وليس على مجرد حالة طالب، والفروقات في الكلف نراها بأم أعيننا كل يوم.
الدول التي نجحت، وتغيرت أحوالها جذريا، برغم فقرها، او سوء ظروفها الاقتصادية، نجحت لأنها تبنت خريطة طريق لا تعرف المستحيل، وتنبهت إلى مبدأ ” إساءة الاختيار” فلم تمنح كرسيا لأحد لا يستحقه، ولم تتبن سياسة، تعبر عن الضعف والهشاشة وسوء التقدير، ولدينا نماذج لدول نهضت برغم ظروفها، والعالم بين يديكم يثبت إمكانية ذلك.
“إساءة الاختيار” تعبير طريف وعميق ومعبر وحاد، وانا أقترح توظيفه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فهو سوف يفسر كل اخفاقاتنا الفردية والجماعية على حد سواء.