سلامة الدرعاوي - آخر الإحصاءات الرسميّة حول حجم الناتج المحلّيّ الإجماليّ للمملكة هو تقريباً ما يناهز الـ 32.1 مليار دينار، وهو رقم في تصاعد مستمرّ، ورغم ذلك يوجد اعتقاد واسع لدى الكثير من المراقبين أنّ هناك العديد من الأنشطة الاقتصاديّة الّتي ما زالت خارج حسبة الناتج المحلّيّ.
نعم هناك الكثير من الأنشطة الاقتصاديّة في بعض القطاعات سواء أكانت رسميّة أم غير رسميّة لا تدخل في معادلة احتساب الناتج المحلّيّ، وهي كثيرة مثل الحيازات الزراعيّة والخدمات المساندة والكثير من الأعمال من المشاريع الإسكانيّة والأعمال الحرفيّة والمهنيّة والأنشطة الخدميّة الطبّيّة والقانونيّة والإعلاميّة والكثير ممّن يفتقر لقاعدة بيانات حقيقيّة ودقيقة عن طبيعة حجمهما الماليّ والإنتاجيّ.
بعض الأنشطة والأعمال الاقتصاديّة بقيت آليّة احتسابها في الناتج المحلّيّ منذ عام 1983 ولغاية اليوم لم تتغيّر أو تتطوّر الآليّة رغم تطوّر أنشطتها وتنوّعها ومساهماتها.
هذه كلّها عوامل تدفع بإعادة النظر في آليّة احتساب الناتج المحلّيّ الإجماليّ خاصّة مع حالة النموّ غير المسبوق في أعداد السكّان والانتشار العمرانيّ والتنوّع الاقتصاديّ.
عمليّة احتساب الناتج المحلّيّ الإجماليّ يجب أن تكون في غاية الدقّة، لأنّها تعطي دلالات مهمّة حول حجم حقيقة الاقتصاد الوطنيّ، وبالتّالي تكون مرآة لرسّامي السياسة الاقتصاديّة ورجال الأعمال والمستثمرين، لأنّه في النهاية هو عبارة عن مؤشّر اقتصاديّ يقيس القيمة النقديّة لإجماليّ السلع والخدمات الّتي أنتجت داخل حدود منطقة جغرافيّة ما (بلد مثلاً) خلال مدّة زمنيّة محدّدة (سنة أو نصف سنة مثلاً).
الناتج المحلّيّ الإجماليّ ليس مؤشّراً على الرفاهية الاجتماعيّة ولا على الثروة الإجماليّة، وهو يقيس مجموع السلع والخدمات السوقيّة، أي الموجّهة للبيع، بالإضافة إلى بعض المنتجات الخدميّة غير السوقيّة الّتي توفّرها الحكومات مجّاناً مثل التعليم والصحّة والأمن والدفاع، والّتي أنتجت داخل حدود منطقة جغرافيّة معيّنة خلال مدّة زمنيّة محدّدة.
الناتج المحلّيّ الإجماليّ يتضمّن النشاط الإنتاجيّ لجميع المقيمين في بلد بعينه بما في ذلك الشركات الأجنبيّة العاملة في هذا البلد، بخلاف الناتج القوميّ الإجماليّ الّذي يقيس النشاط الإنتاجيّ لجميع الحاملين لجنسيّة معيّنة بغضّ النظر عن مكان إقامتهم، فمثلاً، النشاط الإنتاجيّ لشركة أميركيّة تعمل في الصين سيدرج ضمن الناتج المحلّيّ الإجماليّ للصين، ولكن ضمن الناتج القوميّ الإجماليّ للولايات المتّحدة.
توجد جملة من الأنشطة الإنتاجيّة الّتي تبقى خارج دائرة قياس الناتج المحلّيّ الإجماليّ مثل الأنشطة المنزليّة والأعمال التطوّعيّة وغير المأجورة بالإضافة إلى الأنشطة الّتي تتمّ في السوق السوداء، وهذا جزء من محور هذا المقال.
طبعاً سيكون هناك بعض الأصوات الّتي تعتمد في مواقفها على نظريّة المؤامرة بأنّ المناداة بتغيير احتساب معادلة احتساب الناتج المحلّيّ الإجماليّ هو شكل من أشكال التلاعب في الأرقام وغيرها من الاتّهامات الّتي تظهر في كلّ مسألة اقتصاديّة.
في هذا الصدد لا بدّ من التأكيد على أنّ عمليّة الإصلاح الاقتصاديّ، وما يشوبه من تطوير وتحديث للكثير من الإجراءات والخطط سيقابله معارضة وهذا أمر طبيعيّ وشرعيّ، ففي النهاية المسألة تبقى عمليّة اقتصاديّة بحتة، قابلة للنقد والتطوير، ولا أحد يستطيع احتكار الحقيقة، فالقضيّة تبقى في إطار القياس والتقييم، وتحتمل الخطأ والصواب، فلا أحد يدّعي احتكار الحقيقة.
في النهاية إجراء أيّ مراجعة أو تقييم لعمليّة احتساب معادلة الناتج المحلّيّ الإجماليّ لا تتمّ بمعزل عن بيوت الخبرة والجهات الاقتصاديّة العالميّة، وعلى رأسها صندوق النقد الدوليّ وغيره من الجهات ذات العلاقة والّتي سيكون لرأيها وخبراتها الاقتصاديّة دور مهم في تشكيل الحالة نحو اتّخاذ القرار الصائب في معالجة أيّ تشوّهات في النهاية الحسابيّة للناتج إن وجدت.