زاد الاردن الاخباري -
وجدت الشرطة الإندونيسية نفسها في قلب غضب شعبي عارم، بعد حادث التدافع الذي خلف أزيد من 125 قتيلا خلال مباراة كرة قدم، مع ارتفاع مطالب محاسبة المسؤولين المتورطين وتقليص صلاحيات جهاز الأمن.
وتوفي ما لا يقل عن 125 شخصا وجرح المئات في تدافع داخل الملعب في أعقاب مباراة بين فريقين محليين في مالانج بمحافظة جاوة الشرقية، مساء السبت الماضي.
وربطت تقارير الحصيلة الكبيرة لحادثة التدافع، بلجوء عناصر الشرطة إلى العنف المفرط واستخدام الغاز المسيل للدموع، خلال محاولتها إخلاء الملعب الذي اقتحمته جماهير الفريق الخاسر.
وبعد الأحداث المأساوية، لجأ آلاف الإندونيسيين، إلى تويتر للمطالبة بإقالة قائد الشرطة ومحاسبة المتورطين. وحتى ليلة الاثنين، وقع ما يقرب من 16 ألف شخص على عريضة تطالب الشرطة بالتوقف عن استخدام الغاز المسيل للدموع، حسب "نيويورك تايمز".
وتحركت الحكومة بسرعة لتهدئة الغضب العام، حيث أوقفت رئيس الشرطة في مالانج وتعهدت بالإعلان عن أسماء المشتبه بهم المسؤولين عن المأساة في غضون أيام.
"إفلات من العقاب"
وعلى مدى سنوات، عانى عشرات الآلاف من الإندونيسيين من بطش الشرطة، التي يقول مجموعة من المراقبين إنها "فاسدة، وتستخدم القوة المفرطة لقمع الحشود، كما يفلت مسؤولوها من الحساب ولا يخضعون للمساءلة أمام أحد".
وذكّر مقال "نيويورك تايمز" بمجموعة من الأحداث التي تدخلت فيها الشرطة الإندونيسية بقوة؛ أبرزها سنة 2019، بالعاصمة جاكرتا، حينما أطلقت الشرطة النار وقتلت 10 أشخاص خلال مظاهرات ضد إعادة انتخاب الرئيس جوكو ويدودو. وفي العام الموالي، واجه الأمن مئات المحتجين على قانون جديد بالهراوات، وبمدينة تيرنيت الشمالية، شهر أبريل الماضي، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على حشد من الطلاب المتظاهرين، مما أدى إلى إصابة ثلاثة شبان.
وتكشف حادثة التدافع الأخيرة التي تعد من بين أسوأ الكوارث في تاريخ الرياضة، المشاكل المنهجية التي تعاني منها الشرطة الإندونيسية، حسب المختصة في الأمن الإندونيسي بجامعة مردوخ بأستراليا، جاكي بيكر، التي تقول إن هذه الحادثة المأساوية "نتيجة حتمية لفشل إصلاح الشرطة في إندونيسيا".
وعلى مدار عقدين، أجرى نشطاء حقوقيون تحقيقات في سلوكيات الشرطة الإندونيسية، غير أن أثر التقارير التي كانت تقدم إلى رئيس الشرطة، ضئيل أو منعدم، بحسب تصريح بيكر لنيويورك تايمز.
وأرجعت المتحدثة ذاتها ما اعتبرته استمرار إفلات المسؤولين بجهاز الشرطة من العقاب، إلى غياب اهتمام سياسي بتكوين قوة شرطة محترفة".
من جانبه، سجل ويريا أديوينا، نائب مدير منظمة العفو الدولية في إندونيسيا، "الغياب شبه التام لأي محاكمة لمسؤولي، بشأن الاستخدام المفرط للقوة باستثناء عام 2019، بعد مقتل طلاب في جزيرة سولاويزي أثناء الاحتجاجات".
ريفانلي أناندر، نائب منسق لجنة مراقبة حقوق الأشخاص المفقودين وضحايا العنف، يؤكد بدوره غياب المتابعات في جرائم الجهاز الأمني ، مشيرا إلى أنه زار عائلات خمس من ضحايا احتجاجات، كشفت له عن إجراء تشريح لجثة شخص واحد فقط، لم تتوصل أسرته بنتيجته.
وأظهرت استطلاعات الرأي انخفاضا حادا في ثقة الإندونيسيين تجاه الشرطة، حيث تراجعت من 71.6 في المئة في أبريل إلى 54.2 في المئة في أغسطس من السنة الجارية، وذلك بعد ظهور تقارير تفيد بأن جنرالا في الشرطة قتل مرؤوسه وأمر الضباط الآخرين بالتستر على جريمته، بحسب نيويورك تايمز.
"إنفاق ضخم"
وصلت ميزانية الشرطة بإندونيسيا سنة 2022، إلى 7.2 مليار دولار، أي أكثر من ضعف الرقم في عام 2013. وتأتي الموارد المالية المخصصة لجهاز الأمن كثالث أكبر ميزانية بين جميع الوزارات الحكومية في البلاد، متجاوزة نظيرتها المخصصة لوزارتي التعليم والصحة.
أندري براسيتيو، الباحث المالي والسياسي، قام بتحليل بيانات المشتريات الحكومية خلال السنوات الأخيرة، ويكشف أنه في العقد الماضي، أنفقت الشرطة حوالي 217.3 مليون دولار لشراء الخوذات والدروع والمركبات وغيرها من الوسائل التي يتم استخدامها خلال الاحتجاجات.
ويشير المصدر ذاته، إلى ارتفاع مشتريات الغاز المسيل للدموع في عام 2017 إلى 21.7 مليون دولار، بعد أن هزت جاكرتا سلسلة من الاحتجاجات التي شارك فيها عشرات الآلاف من الإندونيسيين، حسب نيويورك تايمز.
ويقول خبراء أمنيون إن عام 2019 كان نقطة تحول في استخدام قوات الشرطة للغاز المسيل للدموع، بعد خروج مظاهرات حاشدة رافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية وتحولها إلى أعمال عنف واشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين.
في هذا السياق، يبرز أندري براسيتيو، أنه بعد أن انخفضت الميزانية المخصصة لشراء هذه المادة الكيميائية، سنة 2017، ارتفعت مرة أخرى في عام 2020 إلى 14.8 مليون دولار.
تحقيقات متواصلة
وعلاقة بالأحداث الأخيرة، لا تزال الشرطة تستجوب الشهود وتقوم بتحليل لقطات من 32 كاميرا أمنية داخل وخارج الملعب ومن هواتف محمولة يملكها الضحايا، في إطار التحقيق لتحديد المشتبه بهم، وفقا لأسوشيتد برس.
وقال وزير الأمن الإندونيسي، محمد محفوظ، الاثنين، إنه سيقود فريقا للتحقيق في انتهاكات القانون التي أدت إلى وقوع الحادثة.
وقالت الشرطة إن 18 من أفرادها المسؤولين عن إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بالإضافة إلى مديري الأمن يخضعون للتحقيق.
وأعلنت رابطة الدوري الإندونيسي الممتاز عن توقف المسابقة لمدة أسبوع بعد الكارثة التي وقعت في استاد كانجوروهان في مالانج.