يقول الله تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}[إبراهيم : 42-43] .
آية تهديد ووعيد ولكن ما أعظم ما فيها من شفاء لقلوب المظلومين وتسلية لخواطر المكلومين، فكم ترتاح نفس المظلوم ويهدأ خاطره حينما يسمع هذه الآية ويعلم علم اليقين أن حقه لن يضيع وأنه سوف يقتص له ممن ظلمه ولو بعد حين. وأنه مهما أفلت الظالم من العقوبة في الدنيا فإن جرائمه مسجله عند من لا تخفى عليه خافيه ولا يغفل عن شئ. والموعد يوم الجزاء والحساب، يوم العدالة، يوم يؤخذ للمظلوم من الظالم بفضل إله الحق والعدل { ملك الملوك } .
يعرف الفساد بمعناه الأوسع بانه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية . كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والإبتزاز وممارسة النفوذ والإحتيال ومحاباة الأقارب. ورغم أن الفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبل تجارة بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات ولا يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم الأخرى .
المجتمع بمؤسساته المختلفة هو مدرسة تكونية لإنتاج الأفراد، وكلما كانت هذه المدرسة نزيهة وأخلاقية، كلما أنتجت أفرادا يتصفون بالأخلاق والمبادئ الرائجة داخلها، ودرجة التقبل للسلوك تتعلق أساسا بدرجة انتشار هذا السلوك داخل الجماعة، ولعل نظرية الامتثال الاجتماعي تعد تلخيصا مثاليا لهذه الظاهرة، فالإنسان يرضخ في الغالب لعادات وأخلاق العامة، وقد يناقض مبادئه من أجل مسايرة عرف الجماعة.
الفساد هو الوحش الذي طالما تربص بأحلام الشعوب، وهو ظاهرة تتغنى الحكومات في دول العالم باختلاف قوتها الاقتصادية وجودة العدالة فيها بمحاربتها، أما الأنظمة الاستبدادية والشمولية فقد تمكنت من تحويل الفساد من سلوك غير سوي ومنبوذ إلى ظاهرة اجتماعية مألوفة يتقبلها العام والخاص وتتوارثها الأجيال، بحجة الانتماء إلى عالم ثالث يعتبر أرضا خصبة لجميع الظواهر السلبية، وفي أبجديات الحكم كل سلوك مدروس له قواعد وظروف مثالية يظهر ويتنامى فيها، والفساد سلوك ينتجه الغياب التام للرقابة الذاتية والمتمثلة في الضمير والمبادئ والرقابة العامة والمتمثلة في القوانين والضوابط التي تسهر على تطبيقها الدولة، وهنا يظهر جليا أن سلطات فاسدة لا يمكن أن تضمن وجودها إلا في مستنقع مجتمعات فاسدة.
إن إقصاء مسؤولين ومتنفذين في هذه الفترة ، يعكس حجم التدهور الشامل للأوضاع في البلاد ، نتيجة هيمنة أخطبوط الفساد التابع لبعض المتنفذين ، على الدولة وإستغلال مواردها في غير مصلحة الشعب.
إن تبعات الفساد ضخمة: فيمكن أن يزعزع الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ليصل في نهاية المطاف إلى تهديد سلامة وأمن المجتمع بأسره.
والفساد يخلق أرضا خصبة للأنشطة الإجرامية المنظمة، لا بل للإرهاب، لأن تواطؤ المسؤولين الحكوميين الفاسدين يساعد المجرمين في أنشطتهم غير المشروعة.
وقد جعلت عولمة الإقتصاد من الفساد جريمة لا حدود لها. والعالم التنافسي الذي يحيط بقطاع الأعمال الدولية يمكن أن يدفع الشركات إلى قبول الرشاوى وتبنّي ممارسات مالية إحتيالية.
والصفقات التي يشوبها الفساد يمكن أن تعبر حدود بلدان عديدة، الأمر الذي يجعل تحقيقات الشرطة اللاحقة طويلة وشائكة في آن معا.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي