د. محمد حسين المومني - ما يحدث بالعراق مهم وتاريخي، قد يؤسس لمرحلة جديدة تترسخ فيها سيادة العراق، ولا يعود مستباحا من قوى خارجية تصفي حساباتها على أراضيه. ربما أنه الحدث الأهم منذ احتلال العراق العام 2003 وتحوله لدولة منهارة، ثم بعد ذلك ساحة أمامية لإيران، بعد أن أصبحت اللاعب الأهم على الساحة العراقية، مستخدمة الطائفية والميليشيات والقرب الجغرافي لإحكام السيطرة على العراق. تنازع القوى العراقية الآن، في جوهره، تنازع على دور إيران في العراق، ففي الوقت الذي تحاول فيه القوى التي فازت بالانتخابات، بزعامة الصدر، تشكيل الحكومة ضمن حقها السياسي والدستوري والانتخابي، تحاول القوى المناوئة لها والقريبة من إيران إعاقة ذلك، وعلى قاعدة إما نحن القوى السياسية والشيعية القريبة من إيران أو لا أحد بالمطلق. أدى هذا الى حالة من الاستعصاء السياسي والجمود، فاقم من انعدام فعالية السلطات الرسمية، وعمق الطائفية البغضاء التي مزقت العراق، وزاد من انتشار الفساد، ورسخ مشاعر الإحباط في نفوس العراقيين.
مآلات مخاض ما يحدث مهمة لمستقبل العراق وسيادته، وأن يعود المجتمع العراقي ليعلي من وحدته الوطنية وولائه للعراق أولا وأخيرا، وأن يطرد عن أراضيه كل القوى غير العراقية المتناحرة. تعاظم أصوات، وتزايد قوة المناوئين للنفوذ والهيمنة الإيرانية بالعراق، يشير بوضوح إلى أن الأوضاع لا يمكن أن تستمر كما كانت، وأن على إيران أن تدرك تنامي شعور الرفض العراقي لهيمنتها، وأن استباحتها للعراق بالشكل الحالي لا يمكن أن يتعايش معه الشعب العراقي. إيران تستبيح العراق بشكل بات مستفزا للعراقيين، فالتنسيق ومد النفوذ بين إيران والعراق وصل الى مستوى المحافظ وليس المستوى السياسي السيادي، والحرس الثوري يملك قواعد ويستبيح كامل السيادة العراقية، وتوجه الدولة العراقية وقراراتها كافة مرهون بموافقة ومصالح إيران. هذا هو واقع الحال، خلق حالة من الرفض المتنامي لنفوذ إيران بالعراق، وبالوقت ذاته، جعل عديدين يتريثون قبل الحكم على مآلات ما يحدث، لأن إيران لن تفرط بالعراق بسهولة، وستقتل وتستبيح الدماء قبل أن يحدث ذلك، وهذا سيدفع ثمنه مرة أخرى العراق الشقيق وشعبه الجريح.
معنيون جميعا بنجاح مساعي رئيس الوزراء العراقي الكاظمي في إصلاح وترسيخ سيادة العراق، وقد أظهر كثيرا من الحكمة والشجاعة، ويمتلك خطوط تنسيق عاقلة مع الجميع، بما فيها دعوته لحوار استراتيجي سعودي إيراني لم يعرف للآن فرص نجاحه. هو حلقة اتصال مهمة بين إيران ودول أخرى أيضا، وعلى قاعدة المصالح المتبادلة واحترام السيادة وحسن الجوار. محيط العراق العربي مدعو للتفاعل مع العراق وموازنة كل القوى الأخرى فيه، وأن يدعم كل الجهود التي تعيد للعراق سيادته واستقلاله الحقيقيين، حتى يكون أحد عوامل استقرار الإقليم لا العكس. الأردن يقوم بدوره في ذلك، فنحن ما انفككنا نحاول الانفتاح على العراق وتقوية العلاقة معه، وقد كنا أول من أعاد السفير بعد تغيير النظام العام 2003 إدراكا منا أن الفارغ ستملأه قوى الشر. الأردن وملكه منفتحان على القوى العراقية السياسية والدينية كافة، يحظيان باحترام شديد منها، ونحن نقدم الإسناد والنصح والمشورة والخير، لكي نساعد العراق الشقيق على ترسيخ أمنه واستقراره وسيادته.