إن الأحداث المتسارعة والخطيرة في الحرب الروسية – الأوكرانية جعلتني أطل عليكم هذه الفترة بمقالات متتالية ذات تحليلات إستراتيجية عميقة , حيث أنني أقف بالحياد تجاه هذه الحرب وكنت من بداية مقالاتي عن هذا الموضوع أضع الحلول المقترحة لإيقافها والجلوس على طاولة المفاوضات لحلها,لكن إختلاط الأوراق في الشهر الثامن لهذه الحرب جعلها تمر بمنحنى عسكري خطير للغاية سأقوم بتحليله من الناحية العسكرية, وفي نهاية المقالة سأذكر إسم شخصية كان بإمكانها منع حدوث الحرب , ولو حدثت لكان تأثيرها بإنهائها على طاولة المفاوضات خلال شهر على الأكثر من وقوعها.
لنعود إلى ساحة العمليات وما حدث مؤخراً من تفجير لجسر شبه جزيرة القرم والذي يعتبره الجانب الروسي بنظرهم ثالث عملاً إرهابياً تتعرض له بلاده بأقل من شهرين , بعد إغتيال الصحفية داريا دوغينا إبنة العالم السياسي والفيلسوف الروسي الكسندر دوغين المستشار والصديق المقرب لبوتين, وكذلك التفجيرين الأخيرين في أنبوبي الغاز نورد ستريم 1 ونورد ستريم2 وإنتهاءً بتفجير جسر القرم .
بالإضافة إلى بعض التقدم الذي تحرزه القوات الأوكرانية على الإراضي التي ضمتها روسيا إليها من المقاطعات الأربع , فما هي الخيارات الروسية العسكرية بعد نتائج التحقيق بما تعرضت له :
1) محاولة روسيا قطع الكوابل البحرية والتي تربط أوروبا بأمريكيا والتي تخدم الإنترنت والإتصالات والتبادلات المالية المصرفية SWIFT اليومية وغيرها.
2) محاولة تفجير خطوط غاز أخرى تزود القسم الشرقي والجنوبي من أوروبا.
3) محاولة إستهداف الأقمار الإصطناعية الغربية التي تُدير مسرح العمليات .
4) إستخدام النووي التكتيكي خلف القوات الأوكرانية المهاجمة على المقاطعات الإربع , لقطع خطوط الإمداد وشل حركة القوات الأوكرانية على حدود المقاطعات الأربع مع أوكرانيا وبالتالي الإنقضاض على القوات الأوكرانية داخل المقاطعات الأربع.
5) ضرب الإمدادت العسكرية الأوكرانية في العمق , ما يعني إستهداف للدول المجاورة لأوكرانيا.
6) نقل التهديدات إلى الولايات المتحدة وهذا ما ذكرته في مقالة سابقة لي وهو قيام روسيا بإجراء إستراتيجي وذلك بنصب صواريخ باليستية متوسطة المدى ( Medium Range Ballistic Missile (MRBM))بالقرب من الولايات المتحدة على أراضي أمريكيا الوسطى أو أمريكيا الجنوبية وبالتحديد على أراضي دول حليفة لروسيا مثل كوبا وغيرها حيث يقع مدى هذا الصاروخ من 1000-3000 كم وذلك لعمل تهديد حقيقي ومباشر للولايات المتحدة والذي من شأنه إجبارها على إيقاف الحرب والدخول بمفاوضات مباشرة مع روسيا, والتي ستعيدنا للوراء إلى تشرين الأول من عام 1962 وأثناء الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة عندما قررت روسيا نشر صواريخ نووية متوسطة المدى في كوبا رداً على نشر أمريكيا 100 رأس نووي في أوروبا لتهديد موسكو, والتي عرفت بأزمة الصواريخ الكوبية (تسمى في روسيا بأزمة الكاريبي).
7) قيام روسيا بتجربة تفجير نووي بحري بالقرب من بريطانيا لإحداث تسونامي من الدرجة المتوسطة لتحذير البلدان الأوروبية.
8) قيام الغواصة النووية الروسية بعمل تجربة نووية قريبة من سواحل الولايات المتحدة.
هذه هي الإجراءات العسكرية من قبل روسيا , ومن الممكن الإنتظار بدون أي إجراءات لدخول فصل الشتاء لتشن هجوم موسع على أوكرانيا لتشمل العاصمة كييف بقواتها العسكرية التي تقوم بتجهيزها الآن.
على الجانب الآخر ما ستقوم به القوات الأوكرانية عسكرياً مدعومة من حلف الناتو:
1) إستمرار التقدم على الجبهات الأربع الخاصة بالمقاطعات التي ضمتها روسيا مدعومة بالأسلحة الحديثة والتوجيه الإستخباري من غُرف عمليات الناتو الموجه بالأقمار الإصطناعية.
2) تزويد القوات الأوكرانية بطائرات مقاتلة من طراز F16 وصواريخ طويلة المدى لإستهداف الأهداف في العمق الروسي.
3) القيام بعمليات عسكرية في العمق الروسي تشتمل على أهداف حيوية عسكرية ومدنية على غرار تفجير جسر القرم.
4) إستهداف تجمعات الجيش الروسي الكبيرة التي ستحشد لإحتلال العاصمة الأوكرانية بقنابل نووية تكتيكية في العُمق الروسي.
في الختام سأكشف عن هذه الشخصية التي لو كانت موجودة لمنعت الحرب أو على أقل تقدير أوقفتها بشهرها الأول وهذه الشخصية هي أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة والتي حكمت ألمانيا لمدة 16 عاماً بتوازن وحياد فعّال , بالتعامل مع قطبي العالم الولايات المتحدة وروسيا, وقد لعبت دوراً كبيراً عام 2014 بعد إحتلال روسيا لشبه جزيرة القرم بنزع فتيل الحرب العالمية,وجلست مع روسيا على طاولة المفاوضات بحضور الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الأوكراني زيلينيسكي وحققت مكاسب إقتصادية بعدها بمد إنبوب الغاز الذي تعرض للتفجير كما ذكرنا سابقاً.
وفي هذا السياق أختم بسؤال: أين القائد الغربي الذي سيجنب العالم خطر وشيك؟ خطر إندلاع الحرب النووية لا قدر الله .
المهندس مهند عباس حدادين
الخبير والمحلل الإستراتيجي في المجالات السياسية والأمنية والإقتصادية
mhaddadin@jobkins.com