نهاية الاسبوع الماضي كنت في الكرك، وقضيت يومين، تعرفون الالتزمات الاجتماعية : عزاء وجاهات واعراس، وعزائم، وزيارة مرضى، ومناسبات اجتماعية لا تنقطع .
في مركز مدينة الكرك « القصبة « مازالت تشوهات مشروع تطوير وسط المدينة يدفع ثمنه تجارها، والمحال التجارية تغلق، ومعروضة للتصفية والبيع، وتواجه القصبة شبه هجرة قسرية لاهاليها وتجارها .
جمال الكرك التراثي والتاريخي محجوب عن اعين محبي المدينة ... ومشاريع تطوير الكرك افقدت المدينة كثيرا من القها وعراقتها، وسكبت زيتا على النار .
وما فعلت اي شيء ايجابي للمدينة، ومجرد اوهام لمشاريع لم تحقق اي تقدم او تطور في البنى التحتية والخدمات، والتنمية .
منشآت سياحية وفنادق خاوية مغلقة ومتعثرة، واصحابها وصلوا الى حد اليأس والاحباط، وما يسمعون من اخبار يومية يزيدهم يأسا اكثر .
مستثمرون في القطاع السياحي يدفعون ثمنا غاليا لما صدقوا من روج باسم الاستثمار وتنشيط السياحة، وفكروا بطريقة سطحية بان وفودا
من السياحة الاجنبية سوف يكون مقصدها الاردن والكرك، والجنوب .
ازمة السياحة في الكرك تعود جذورها لما بعد اتفاقية وادي عربة، وما راج من احلام السلام والرخاء والرفاهية التي سوف تجلبها اتفاقية وادي عربة .
وعشرات المشاريع السياحية في اقل من عامين افلست واغلقت ابوابها وتعثرت، وفضحت بالارقام والدليل الدامغ حقيقة السلام مع اسرائيل والتطبيع الاقتصادي والسياحي .
و كيف تبخر حلم السلام ؟ وفشل في جلب ادنى حد من السياح الاسرائيليين، وان جاء الاسرائيليون، فمعروف ان السائح الاسرائيلي بخيل جيدا، وهي صفة يهودية لصيقة تاريخيا، ويأتي حاملا معه « الزوادة «، طعامه وشرابه، ومرقده، ولا يصرف في الاردن دينارا واحدا، لربما اكثر ما قد ينفقه على رسوم دخول المنشآت السياحية، ويذهب هذا الى خزينة الدولة .
الكرك غنية وثرية سياحيا .. سياحة دينية وروحية وثقافية وسياحة طبيعية . وفي الكرك مزارات الصحابة الاجلاء في مؤتة « جنوب الكرك «، ويواجه الترويج لسياحة المزارات جدلا سياسيا وشعبيا، ودينيا .
وقد ساد قبل شهور جدل صاخب حول سياحة مزارات مؤتة .. وهنا، اجد نفسي عاتبا على مثقفي ومتعلمي المدينة، ومن انجروا وراء سردية اتهامية وتحريضية دون الاستماع لكامل فصول حقيقة سياحة المزارات، والجدوى والمنفعة، والمباح والممنوع .
كان مقترح فتح سياحة المزارات يحتاج الى حوار، ويحتاج الى الاستماع الى الاراء بعناية وحكمة، وعدم الالتفات الى الادلجة والمواقف العقائدية، والمذهبية .
الكرك في اسوأ احوالها واوضاعها اقتصاديا وتنمويا، وخدماتيا .. وكل شيء في المدينة يتراجع ويتأكل، والمدينة تفقد يوميا بريقها وعراقتها، وتفقد كثيرا من قيمتها التاريخية والاجتماعية والرمزية على الخريطة الاردنية والمشرقية .
الوضع المعيشي اسوأ مما هو عليه، ولربما ان ارقام الاحصاءات والمسوح الرسمية لا ترصد بموضوعية وحيادية معدل الفقر والبطالة في الكرك وقراها .. وكيف تحولت اولويات الناس من الانشغال في القضايا العامة الى باحثين عن لقمة عيش، وهبوط وانحدار بحالة السكينة الاجتماعية .
الكرك كانت مختبر السياسة الاردنية، وبروميتير التحولات والتغيرات السياسية الوطنية .. ويبدو اليوم ان الكركية رموا وراء ظهرهم سؤال السياسة والشأن العام، وينشغلون بقلق في رغيف الخبز، وتوفير ادنى حد من الكرامة الاجتماعية والانسانية .
افتح هذا الحديث عن الكرك المدينة الاردنية العريقة .. وعلى عجالة، واريد ان اكرر قناعتي ان ضياع اي فرصة سياحية واقتصادية تنموية هي خسارة كركية بحتة.
وما اشد حاجة الكرك اليوم الى تدفق السياح وانعاش سياحي، واستثمار واحياء للنشاط السياحي الديني، ولربما ان الخطوات الجريئة لا يتخذها مترددون وخائفون، والاصغاء الجاد لازمة الكرك اليوم يقفل كل الاسئلة حول المحظور والممنوع، ويسدي سمعا للمباح والممكن .. وهذه معادلة العقلاء والحكماء .