مكرم أحمد الطراونة - استطلاع الرأي الذي نشره مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مؤخرا، تضمن مؤشرات تتعدى تقييم أداء حكومة الدكتور بشر الخصاونة، أو منجزها، فقد تعدى ذلك ليكون بمثابة رسالة مهمة للدولة لا بد من تحليلها ودراسة أبعادها، كونها مرتبطة بمستقبل البلد.
الاستطلاع بيّن أن الشباب من فئة 18 – 34 سنة، والأعلى تعليما، هم الأقل ثقة بالرئيس. وبالمناسبة، هذا الأمر ليس مرتبطا بالخصاونة كشخص أو حكومة، وإنما بموقع الرئيس مهما كانت هوية من يجلس على الكرسي.
الأمر الآخر الذي لا بد من التأشير عليه، هو أن هذه الفئة تعتقد أيضا أن الاقتصاد الأردني يسير في الاتجاه السلبي، وهي بذلك تكاد لا ترى أي منجزات إيجابية في الملف الاقتصادي خلال عمل حكومة الخصاونة، التي لا تتحمل وحدها وزر هذه النتيجة.
هذه مؤشرات لها مدلولات خطيرة وحساسة، خصوصا عند تشخيص ماهية هذه الفئة العمرية، ومن تمثل اليوم، وما هي هويتها في المستقبل، وإلى أي مدى ترى فيهم الدولة نواة لتطورها ونهضتها.
هؤلاء الشباب؛ ومن الجنسين، هم المؤثرون الذين نراهم يتسيدون مواقع التواصل الاجتماعي عبر منشورات ومقاطع فيديو، ولديهم متابعون كثر قادرون على نقل قناعاتهم وانطباعاتهم عن وضع الدولة والاقتصاد والمشاركة السياسية، والقناعة بالأحزاب، وغيرها من القضايا المهمة، إلى شريحة كبيرة من المواطنين، خصوصا الفئات العمرية الأصغر سنا، ما يعني أن الجيل القادم سينشأ على عدم الإيمان بأي حكومة أو مؤسسة رسمية أو غير رسمية، وهي معضلة حقيقية حين تشيع أجواء السلبية واليأس والإحباط في كل مكان.
هؤلاء، أيضا، يشكلون النسبة الأكبر من سكان الأردن، الدولة الفتية التي تدخل مئويتها الثانية بطموحات وأفكار ومشاريع إصلاحية، وبلوغهم هذه الدرجة الخطيرة من الإحباط، رغم التأكيدات الرسمية أنهم ركيزة أساسية في مستقبل المملكة، وتبنى عليهم الآمال، أمر غاية في الخطورة حيث لن يكونوا شركاء حقيقيين في صناعة أي مشروع مما تخطط له الدولة في الوقت الحاضر.
الأمر الذي قد يكون أكثر خطورة يتمثل في أن مشاريع الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري تعتمد بشكل أساسي على هؤلاء ليكونوا جزءا منها، وأن يشاركوا في تحقيقها خلال مدة زمنية لا تتجاوز السنوات العشر، فالأحزاب لن تكون ذات وزن دون هؤلاء، ومشروع تطوير الفكر السياسي الذي يبدأ من المدرسة والجامعة سيصطدم بالقناعات السلبية لهذه الفئة العمرية، والتي يعد لها أن تحمل لواء نجاحه وصولا إلى حكومات برلمانية.
أما بخصوص الإصلاح الاقتصادي، فهناك إدراك رسمي بأن تحقيقه يتضمن محاور عدة، منها الاهتمام بالريادة والتكنولوجيا وفضاء الإنترنت، وبالتأكيد هذه الأعمار التي يتحدث عنها الاستطلاع هي القادرة على سبر أغوار هذا العالم، وبالتالي دون انخراطهم سيكون من الصعب أن نخطو ولو خطوة واحدة إلى الأمام. من دون هؤلاء ومن دون تحفيزهم وتمكينهم، ومحاولة اصلاح ما كسر في دواخلهم، فإن تحديات جمة ستواجه المشروع برمته.
إداريا، لا شك أن هؤلاء ومن هم أصغر منهم سنا سيتولون قيادة المؤسسات العامة والخاصة خلال عقد أو أكثر قليلا. كيف سيحدث كل ذلك وهم يشعرون اليوم بهذا الكم الكبير من الإحباط والتشاؤم وعدم التفاؤل؟
هي حقيقة لا مفر منها، فالشباب، وتحديدا الذكور، هم الأقل ثقة بكل شيء، ويجب ألا تمر نتائج هذا الاستطلاع في هذه الجزئية مرور الكرام، بل يجب أن تعرض على أعلى المستويات بعد تحليلها بهدف إيجاد حلول لتجاوزها إذا ما أردنا مستقبلا أكثر إشراقا وأملا.
الانسحابية والسلبية التي تسيطر على هذه الفئة يجب علاجها بالسرعة الممكنة. أما كيف يمكن أن يحدث ذلك، فهذه مسؤولية دولة بأكملها، وتتمثل في إعادة بناء الثقة بجميع المؤسسات والمناصب القيادية، التي مر كثير من الماء تحتها!