عجبا، ونحن نرى ونسمع ونقرأ ما نريد نحن قراءته، والإعجب ان لا نلتفت إلى البيئة أو الخلفية أو الاطار والحالة المحيطة بالمشهد، إذ أن المنطق يفرض أن يكون سياق الحدث وثيق الترابط، كما ينظر في سياق العبارات والجمل في النص حيث لا بد من إلقاء الضوء على معاني الكلمات مجتمعة لاستخلاص المعنى والموقف،وهناك مثال يردده اهل الفقه واللغة من قراءة الآيات القرآنية ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ...) فلا نقرأ ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ) ونتوقف، ذلك أن النهي ورد لمن يتناول المسكرات لانه فاقد التركيز فيما يقول، وهذا سياق الآية عندما تتلا مجتمعة .
وفي سياق المشهد المحلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومؤسسيا لابد من الإحاطة الشمولية في الظروف والامكانات التي تمر بها البلاد والاقليم والعالم أجمع، حتى نكون منصفين وشفافين في إطلاق الأحكام، ولا مجال اليوم ان نحمل شخوص الحكومة تراجعا أو مديونية أو اخفاقا هنا أو هناك، ومن الإنصاف أيضا أن لا نعفيهم من بعض المسؤولية التي يجب أن تكون تستشعر وتستجيب للازمات وتقلل من المخاطر، وفق رؤية انتخبوا من أصحاب الولاية ليكونوا بهذه المهام، وكلفوا في التعاطي مع التحديات وإيجاد الحلول والفرص .
لقد خاض كثيرون منا الانتقاد واللوم على مسؤولين أفراد ومؤسسات، وسلوا سيوف التنظير واطلقوا سهام النصح النظري، حتى إذا ما دخلوا مطبخ القرار والمسؤولية ووجدوا الظروف والواقع،اصيبوا بصدمة العجز الذي مر به اسلافهم واصبحوا هم في مرمى سهام الانتقاد والنعت بالفشل والتقصير والانقلاب على ماضيهم.
الواقعية تفرض انها ما يحيط بالإنسان والجماعة من حال ومجال وعصر، ويؤثِّر فيهما على سبيل التشكيل الراهن ضمن زَمَن مُتَحَرِّك والواقعي من يقبل التعامل مع الواقع كما هو، فمن الواقعية أن ندرك حال الإقليم الملتهب الذي جعل الأردن في موقع جيو - سياسي لا يكاد يدخل في ازمة حتى تسرع ازمات في العبور إلى سياسته واقتصاده وأمنه وطبيعة تكوينه، وهو ليس كوكبا لوحده لا يتأثر بالكوارث والازمات العالمية الطبيعية والبشرية .
ونقطة لا بد أن نشير لها أن الزمان يختلف بظروفه وامكاناته وضوابطه، وليس من العدل استحضار مقارنة بين جيل وجيل، أو أن قدرة جيل أو شخص ما في ادارة ملفاته،لو كان حاضرا في عصر آخر، ذلك أن كل شيء قد تغير وتبدل، لا ابحث عن مبررات ولا اعد مذكرات دفاعية بل انا واقعي أدعوكم إلى قراءة المشهد كاملا .