يبدو أن العالم اليوم يعيد ترسيم حدوده وتحالفاته على وقع المصالح الاقتصادية ، متخليا عن التحالفات التقليدية التاريخية التي ارتبطت بالمستعمرات البريطانية والفرنسية خصوصا والاوروبية والامريكية عموما ، بل أن هذه الدول الاستعمارية الكبرى تئن تحت ضغط التضخم والركود الاقتصادي الذي فرضته عوامل عدة ليس آخرها ازمة الطاقة وتبعات وباء كورونا .
قرار (أوبك +) الاخير بشأن تخفيض إنتاج النفط بهدف الوصول إلى أسعار تناسب الدول المنتجة ، وتحقيق ارقام نمو معقول ومقبول لهذه الدول كشف حالة سياسية عالمية جديدة ، خصوصا وان الحرب الروسية الاوكرانية والتجاذبات التي خلفتها مع اوروبا حليفة الولايات المتحدة الأمريكية رفعت الطلب على السلع الغذائية وسلعتي النفط والغاز ، وقادت العالم إلى استدارة جعلت من العالم على شفا انفجار على محاور متعددة .
بلغة الأرقام يتجاوز إجمالي احتياطات دول الخليج الست (السعودية، والبحرين، وقطر، وسلطنة عمان، والإمارات، والكويت) من النفط، 510 مليارات برميل، تشكل نسبتها 32.7 بالمئة من مجمل الاحتياطي العالمي المؤكد البالغ 1.55 تريليون برميل ، أما الغاز فإن قطر، تعد أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم بأكثر من 110 ملايين طن سنويا، وتطمح للوصول إلى 127 مليون طن بحلول 2027. روسيا فهي تمتلك ثالث احتياطي نفطي ، وتصدر الدول المنتجة للغاز بطاقة إنتاجية ، و تعتبر روسيا ثاني أكبر منتج للنفط الخام والمكثفات في العالم، بمتوسط سنوي يبلغ 11.3 مليون برميل يوميا، وفق بيانات وزارة الطاقة الروسية ، أما الغاز الطبيعي، فيبلغ إنتاج روسيا السنوي منه قرابة 638.5 مليار متر مكعب ، وإذا نظرنا في طرف ثالث وهو إيران فإن الأرقام أيضا فإنها تمتلك 10% من احتياطي النفط العالمي المثبت و 15% من الغاز . وهي ثاني أكبر مصدر للأوبك ورابع منتج للنفط في العالم .
كل هذه الأرقام تكشف حقيقة الازمة العالمية، خصوصا وان ضغوط واشنطن وسياستها في العالم تلاقي معارضة ورفضا تجلى في قرار (أوبك + ) ، وسينكشف يوما بعد يوم في العلاقات الثنائية بين الدول ، فالتحالفات لم تعد كما كانت بالسابق ، بل تعدت إلى تلويح بالعلاقات السياسية والامنية والعقوبات الاقتصادية المعلنة في ايقاف بعض الاتفاقات ، وعقوبات غير مباشرة تتأثر به الصناعات التي تشكل عامود فقريا لاقتصادات دول عظمى .
أما اقرب السيناريوهات التي ترسم للمستقبل فيتمثل بتغيير للسياسة الأمريكية ورضوخها للمرحلة الراهنة بالعلاقة مع الحرب الروسية الاوكرانية والتخلي عن دعمها لاوكرانيا ، والعودة إلى الاتفاق الإيراني(5+1) ، ويمكن أن تتصرف اوروبا بمعزل عن واشنطن بحثا عن مصالحها الاقتصادية وانظمتها السياسية .