ماهر أبو طير - خطوة مقدرة للحكومة قيامها برفع قيمة الاعلان الحكومي في الصحف الورقية، والتي سبقها قبل فترة رفع قيمة الاعلان القضائي، وهذه خطوات محترمة اذا اريد للصحافة ان تبقى على قيد الحياة، وسط تحديات تعصف بالإعلام في كل العالم، وخصوصاً، على صعيد الصحافة الورقية.
اخطر ثلاث مهمات تواجه الصحف ترتبط بتطوير المحتوى، ليكون جاذبا وله مصداقيته عند القراء، ورقمنة الاعلام الورقي وصياغة التحول او الموازاة مع الاعلام الورقي بالتركيز على الالكتروني، وثالثها الوقوف في وجه الكراهية والاشاعات والاخبار الكاذبة بطريقة محترفة لا تعتمد على مجرد الرد، بل عبر المعالجة المهنية التي تترك اثرا على القارئ من خلال المصداقية واحترام ذكاء الناس، وعدم التلاعب بمشاعرهم، او التذاكي عليهم، مع تذكر وجود مئات وسائل الاعلام التي تبث في العالم، وتؤكد روايتك او تنفيها، فأنت لست وحدك في هذا الفضاء.
الصحافة الاردنية مرت عليها فترات ازدهار كبرى، وهي اليوم تعاني من اشكالات، على صعيد كلف الورق، كلف الرواتب، النفقات التشغيلية، وغير ذلك، ووسط ظروف صعبة تجهد الصحف من اجل البقاء، في ظل تراجع الاعلان التجاري، وهروب بعضه الى وسائل التواصل الاجتماعي، دون ان يدفع اصحابه او المستفيدون منه اي ضرائب، كما هو حال الاعلام المحترف الذي تتم محاسبته على كل شيء، وفرض الضرائب على كل مدخلات انتاجه اليومية.
تطوير المحتوى هو اهم تحد تواجهه الصحافة، لعدة اسباب، اولها حاجة الصحفيين بشكل دائم الى التدريب والحصول على مهارات جديدة، خصوصا، في ظل بروز ادوات مهنية جديدة، وتطورات تقنية، اضافة الى اهمية صون الحريات الصحفية، وعدم تراجع سقوف الحريات تحت ذرائع مختلفة، والتركيز على القوالب المهنية في الكتابة الصحفية وانماطها، من حيث اكتمال الشكل، ومصادره، والتوازن والمصداقية، وعدم الخلط بين الرأي الشخصي والعمل المهني المجرد، وتقديم قصص صحيفة تليق بوعي القراء واهتماماتهم، بدلا من تجاوز كثير من القضايا لاعتبارات مختلفة، وهذه الاشارات ترتبط بقضايا مالية بشكل او آخر من حيث الانفاق على تطوير المهارات، واستقطاب مواهب وخبرات صحفية ذات قيمة مضافة في العمل الصحفي، كون التجديد هنا، ليس مجرد شعار يتم صرفه في الهواء الطلق دون كلف.
بما ان الصحافة الاردنية استفادت ماليا من برنامج استدامة الذي خفف عليها نفقات كثيرة، والآن يتم رفع سعر الاعلان الحكومي، بعد ان تم تحسين سعر الإعلان القضائي، فإن الصحافة الورقية تدخل مرحلة مستقرة ولو جزئيا، بما يجعلها امام مهمات جديدة، لتجديد دورها، واستعادة ثقة القراء والمعلنين، وهذا احد التحديات التي يواجهها الاعلام اليوم، برغم وجود نماذج اعلامية بارزة لها حرفيتها وقيمتها، لكننا نتحدث عن المبدأ العام الذي ينطبق على الكل.
الصحافة اصبحت صناعة، مثل اي صناعة في العالم، لها حساباتها، وحسابات الكلف والجدوى، وليس مجرد صحف شمولية حزبية ممولة تنطق باسم هذا او ذاك، ولعل السؤال يرتبط هنا بالحل الجذري لوضع الصحف المالي، خصوصا، ان الخبراء الماليين هنا، يهربون دوما الى وصفات تخفيض الكلف، واعادة الهيكلة، بما يعنيه ذلك من اضرار على حياة العاملين في هذه المؤسسات، ونحن هنا نتبنى حلا بديلا يقوم على التطوير الداخلي، ورفع مواصفات المنتج الصحفي، وزيادة جاذبيته، ومردوده السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بدلا من الحلول التي تقوم على التعامل مع الموظفين باعتبارهم مجرد عبء يتوجب تخفيفه، حيث ان تشغيله افضل.
ربما وسائل التواصل الاجتماعي هنا التي تسللت الى سوق الاعلان، تحت عناوين مختلفة، لها حلان من حيث المبدأ اولهما دفع الضرائب على كل الاعلانات الترويجية مثل حال المؤسسات المحترفة التي تدفع على كل شيء، وثانيهما رقمنة الصحف الورقية بطريقة فاعلة تجعلها تغري المعلن عبر الدمج بين الاعلان الورقي والرقمي، بحيث تتفوق هنا على كل الانماط المستجدة، والرقمنة قائمة حاليا، لكنها بحاجة الى المزيد من التفعيل والجاذبية والتأثير.
تبقى هناك مسائل فنية بحاجة الى حل ما بين الصحافة الورقية والحكومات، وهي مسائل تساعد الصحف كثيرا، وتنزع كل العراقيل من طريق تطور الصحف، في ظل معرفتنا جميعا، بأهمية الصحافة، ودورها، فوق انها في الاساس مرآة لحياة اي شعب، وطبيعة تطوره وتطلعاته.