تعتبر معاهدة لوزان بمثابة الإعلان النهائي عن نهاية الدولة العثمانية والإعتراف بإقامة الجمهورية التركية الحديثة، وما بين العنوانين فقد حارت المعاهدة في تعريفها كهزيمة نهائية للخلافة العثمانية وانتهاء عصرها، فيما يرى آخر أنها انتصار للدولة التركية الحديثة.
لكنها في الحالتين كانت انتكاسة للعالم العربي الذي خرج من عباءة الخلافة العثمانية تحت غطاء معاهدتي سيفر ولوزان، ليدخل تحت عباءة الانتداب الإنجليزي والفرنسي والإيطالي وغيرهم.
حملت المعاهدتين تأييداً من جهات متعددة تبعاً لمصالحها التاريخية، فمعاهدة سيفر ما زال ينادي بها الأرمن والكرد والسوريين واليونان والبلغار، لأن تلك المعاهدة منحتهم حقوقاً في أراضي أو في هوية وإعتراف بوطن وحدود جغرافية.
إن الحلم الأرمني والحلم الكردي والحلم السوري ما زال جمره تحت الرماد يظهر بين حين وآخر، خاصةً مع قرب حلول المئوية على توقيع معاهدة لوزان الثانية التي يرفضها الأرمن والكرد باعتبارها تجاهلت حقوقهم التاريخية والمقرّة في معاهدة سيفر الموقعة قبل لوزان بسنواتٍ بسيطة.
وقعت معاهدة لوزان في 24 من تموز 1923 بين حكومة أتاتورك وكل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان واليابان ورومانيا والصرب والكروات وسلوفينيا في مدينة لوزان السويسرية، وتتألف معاهدة لوزان من 143 مادة تحدد شكل الحدود السياسية لتركيا مع دول الجوار وعلاقتها مع الدول التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية، إضافة إلى عدة محاور أخرى منها الأقليات والمضائق والديون. تعد لوزان الاتفاقية التي مهدت لقيام الجمهورية التركية والاعتراف بها دوليًا ورسم الحدود التركية المتعارف عليها حاليًّا - باستثناء ولاية هاتاي - كما أدت لظهور الشرق الأوسط بحدوده السياسية المتعارف عليها اليوم.
عقب انتهاء الحرب العالمية عاقبت الدول المنتصرة الأطراف المهزومة كل على حدة بإجبارها على توقيع اتفاقيات ومعاهدات مجحفة بعد مؤتمر باريس للسلام الذي كان بمثابة « تقسيم للغنائم» بين الأطراف المنتصرة. فجاءت معاهدة فرساي التي وقعت في 28 من حزيران 1919 بين الحلفاء وألمانيا، وحملت ألمانيا المسؤولية عن الحرب وألزمتها بدفع مبالغ ضخمة، ومعاهدة « نويي» وقعت عليها بلغاريا في 27 من تشرين الثاني 1919 وبموجبها فقدت مساحات شاسعة من أراضيها وألزمت بدفع تعويضات وحرمت من منافذها على بحر إيجه. ومعاهدة سان جيرمان: مع النمسا في 10 من أيلول 1919 وبموجبها تقلصت أراضي الإمبراطورية النمساوية إلى الربع. ومعاهدة تريانون مع المجر في 4 من يونيو/حزيران 1920 وبموجبها فقدت المجر 75% من أراضيها لصالح الدول المجاورة وأصبحت دولة حبيسة بلا سواحل. أما معاهدة سيفر التي أجبرت تركيا على توقيعها في 10 من أغسطس/آب 1920 في فرنسا وكانت مثل المعاهدات السابقة تحوي بنودًا مجحفة، منها: تنازل الدولة العثمانية عن جميع حقوقها السيادية في إزمير والمناطق المحيطة بها لصالح اليونان، منح منطقة تراقيا لليونان والتخلي عن جزر الدوديكانز ورودس و12 جزيرة أخرى لصالح إيطاليا. الاعتراف بدولة أرمينيا دولة مستقلة ذات سيادة والتعهد بقبول منحها مناطق بشرقي وشمال شرقي الأناضول حال تقرر ذلك. اعتراف الدولة بأحقية المناطق التي تقطنها غالبية كردية في الإدارة الذاتية وحقها في التقدم بعد سنة، بطلب لعصبة الأمم للحصول على الاستقلال التام. اعتبار المضائق مناطق دولية منزوعة السلاح تحت إشراف عصبة الأمم (الأمم المتحدة). الاعتراف بسوريا والعراق وفلسطين مناطق خاضعة للانتداب، ومنح أكراد الموصل حق الانضمام إلى منطقة كردستان حال حصلت على الاستقلال. تشكيل لجنة لبحث الامتيازات الممنوحة للدول الأجنبية مع توسيع نطاقها. الاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية. التنازل عن أي حقوق سيادية في مصر والاعتراف بالحماية الإنجليزية عليها. التنازل عن أي حقوق سيادية للدولة على قبرص والدول العربية في شمال إفريقيا. إدارة الوضع المالي للدولة العثمانية من لجنة إنجليزية - فرنسية إيطالية- بالتعاون مع إدارة الديون العمومية بالدولة العثمانية. إعفاء الدولة العثمانية من تعويضات الحرب ومسح ديونها. إلغاء التجنيد الإجباري وتقييد الجيش العثماني بـ50 ألف و700 فرد كحد أقصى وتقييد القوات البحرية بـ13 قطعة على الأكثر وتسريح القوات الجوية. منح مناطق ماردين وأورفا وغازي عنتاب لسوريا تحت حماية فرنسا.
إنها حكاية إعادة تشكيل الزمان والمكان.