سلامة الدرعاوي - من يصدق أن هذه الحكومة خالفت كل الاتفاقيات الاقتصادية والتعهدات مع صندوق النقد الدولي والتزاماتها ببيان الثقة واتخذت قرارات شعوبية بداية العام بدعم المحروقات بكلفة ناهزت الـ550 مليون دينار، ولم يثن على قرارتها أحد، حتى الشارع الذي لم ترتفع عليه الأسعار أنكر قرارها واتهمها بالفساد وجمع الأموال والضرائب وغيرها من الاتهامات الصالحة لكل زمان ومكان!.
حالة النكران بتنا نشاهدها في المشهد العام على اعتبار أن السلوك العام استوجب الاستمرار فيه ضد أي حكومة وليست حكومة بعينها، فمهما فعلت الحكومة ستتهم بالتقصير.
من يتصور أن الأردن البلد الصغير وفر لكافة من يقيم على أراضيه أربعة أنواع من مطاعيم الكورونا كلفت الخزينة أكثر من 80 مليون دينار، ثم يأتي بعد ذلك من يقول إن هذه المطاعيم هدفها تغيير الجينات الأردنية أو زرع شريحة لتراقب سلوك الأردنيين، أو يأتي أحد ويتخير بين المطعوم هذا أو ذاك.
وكيف لنا تفسير أن الحكومة قامت بتعزيز الكادر الصحي لمواجهة جائحة كورونا بتعيين أكثر من 24 ألف ممرض وطبيب وغيرها من الكوادر الصحية المعنية بالجائحة خلال أشهر قليلة رغم الضائقة المالية ومحدودية الموارد وعدم وجود قرار أصلاً يسمح بالتعيين في قانون الموازنة العامة.
لا بل قامت الحكومة برفع عدد الأسرة الجاهزة في مستشفيات القطاع العام بين ليلة وضحاها بأكثر من 300 %، موزعة ما بين مستشفيات جديدة وأخرى ميدانية وتوسعات جديدة وغيرها من المرافق التي استطاعت بنجاح التعامل مع تطورات تداعيات جائحة كورونا بكل اقتدار.
ومن ينكر أن الحكومة هذه تحديداً ساهمت في ضبط الحركة العمالية وعدم تسريحها نتيجة جائحة كورونا بواسطة قيامها بتأسيس برنامج استدامة الممول من الخزينة والضمان ومنح خارجية، استمر العمل به لأكثر من عامين بكلف ناهزت الـ250 مليون دينار، استفادت منها أكثر من 7 آلاف منشأة اقتصادية، دفعت رواتب لأكثر من 132 ألف موظف وعامل حصلوا على رواتب كاملة أو جزئية من هذا البرنامج، الأمر الذي لم يساهم في إخراجهم وتسريحهم من سوق العمل كما كان متوقعاً.
ومن يتجاهل قيام البنك المركزي بتأسيس نافذتين تمويليتن بقيمة ملياري دينار خصصت لدعم المشاريع الاقتصادية المختلفة من صغيرة ومتوسطة وكبيرة وبأسعار فائدة مخفضة أقل من أسعار السوق بثلاث وأربع نقاط في بعض الأحيان، لا بل قدمت التسهيلات لأول مرة باتجاه النفقات التشغيلية وشراء مدخلات الإنتاج للمؤسسات الاقتصادية المختلفة.
كيف للبعض القول إن الحكومة ولأول مرة في تاريخ الحكومات الأردنية، تعهدت ونفذت تعهدها بكل اقتدار والتزام أمام الشعب والبرلمان بأنها ستمضي في تنفيذ موازنتها دون زيادة على الضرائب والرسوم، وهذا ما حصل فعلاً.
من يفسر كيف لحكومة مثل الحكومة الأردنية، بوضعها المالي، وعجزها المالي المزمن أن تقوم بدفع كامل رواتب العاملين في الدولة لمدة ثلاثة أشهر وهم في منازلهم أثناء الحظر الشامل، ليأتي بعدئذ من يقول إنه وفي أميركا دفعوا ألف وألفي دولار لكل مواطن، وماذا نفسر الرواتب الكاملة لكافة العاملين والمتقاعدين على حد سواء وهم في بيوتهم.
ولا ننسى الكثير من القرارات التي اتخذت بموجب أوامر الدفاع مثل منع تسريح أي عمالة وتمديد قرارات عدم حبس المدين، كلها قرارات لها كلف مالية عالية على الخزينة والقطاع الخاص.
الموضوع ليس مدحا بحكومة ما، لكن ما دفعني للكتابة هو استمرار حالة الجحود والنكران وتناميها بين مختلف فئات المجتمع، والتخوف الذي بات يسيطر على من يعرفون الحقيقة وباستطاعتهم التكلم بأريحية، لكن تخوفهم من الشارع والتنمر دفع الكثير منهم لتخبئة رؤوسهم تحت الرمال مع كل أسف.
نعم هناك إنجازات قامت بها الحكومة في ظل ظروف استثنائية وضمن موارد مالية صعبة للغاية لا بد من الإشارة، وهناك إخفاقات لا بد أيضاً من الإشارة إليها لتصويبها وإعادتها لمسارها الصحيح، ولنضع الأشياء بمسمياتها دون خوف أو تردد.