د. محمد حسين المومني - تختلف الانتخابات الاسرائيلية التي ستنعقد خلال ايام عن سابقاتها. في هذه المرة ثمة تيار حاكم يواجه بقوة حزب نتنياهو الليكود، الذي خاض الانتخابات السابقة وهو في وضع اكثر ارتياحا. اليوم لدينا تيار سياسي شكل حالة بديلة وقدم خيارا آخر ذا مصداقية للناخبين. صحيح انه تيار يتوزع بين يمين ووسط ويسار الوسط، ولكن جمعته اعتبارات سياسية مهمة يعلوها على الاطلاق الاجماع على سوء وضرر نتنياهو على اسرائيل وملفاتها الحساسة. مجرد تقديمهم بديلا لليكود حصر خطاب الكراهية والاقصاء الذي اعتاش عليه نتنياهو.
امام الناخب الاسرائيلي خيارات وبدائل واضحة، ومهم جدا ان نرى نتائج الانتخابات الى اي اتجاه ستنحاز. هل تذهب باتجاه الاقصاء ام الادماج، هل تنحاز لخطاب الكراهية التقسيمي ام لأجنده مختلفة، هل تذهب لجهة التصعيد مع الجوار والفلسطينيين ام تدرك ان الجيرة الجيدة خير وابقى. انها انتخابات بأجندة سياسية واضحة مرتبطة بوحدة المجتمع واولوياته السياسية، اما الاجندة الامنية والاقتصادية فلا خلافات عميقة بين المتنافسين حولها، وهذا سببه الاحوال الاقتصادية المزدهرة التي تعيشها اسرائيل، واستقرار اجندة التعامل الامني مع التحديات.
رئيس وزراء اسرائيل لبيد حدد اهم خطرين استراتيجيين يواجهان اسرائيل في المرحلة القادمة، وهما برنامج ايران النووي والمعلومات المضللة (disinformation) التي تنتشر حول اسرائيل في العالم. هذا كلام وتقييم في غاية الاهمية لأنه يعترف ان اسرائيل تخسر في معركة الانطباع والاعلام، وهو الميدان الذي رتب على اسرائيل خسارات معنوية وسياسية هائلة. اي متابع لاسرائيل منذ ان بدأت فكرة في مؤتمر بازل، مرورا بالحرب العالمية الثانية وما تعرض له اليهود في اوروبا – وليس في الشرق الاوسط او العالم الاسلامي –، وصولا للاعلان عن قيام اسرائيل وما بعدها، من يتابع كل ذلك يدرك ان اسرائيل لم تعد تحصل على نفس كم الدعم الذي كان مضمونا لها، وان هذا الدعم في تراجع مستمر، واصبحت اسرائيل دولة يسود عنها الكثير من الانطباعات السلبية.
اسرائيل تخسر معركة الانطباع بسبب سلوكها الاحتلالي لشعب بأكمله، تعاكس منظومة قيم عالمية ترسخت عبر قرون، من اهم عناوينها ان للشعوب الحق في تقرير المصير والعيش بحرية وكرامة. شكل اسرائيل والانطباع الدولي عنها في حالة تعثر لأن اسرائيل تخسر في الميدان الاعلامي والحقوقي، والداعمين لها عالميا في تراجع مستمر لأن استمرار احتلالهم لشعب بأكمله شيء خاطئ وظالم ويعاكس منظومة القيم والفطرة الانسانية في الرغبة في الحرية والكرامة. لبيد يدرك هذا، وهو يعلم حجم خسارة اسرائيل التي تمخضت عن ذلك، وان لا سبيل الا التعامل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والحصول على دولته.
هوية اسرائيل ووحدة مجتمعها وشراكتها مع الفلسطينيين في الداخل وفي الضفة وغزة اكثر المواضيع الحساسة في السياسة الاسرائيلية، وهي جوهر النقاش النخبوي والشعبي هناك، وتتربع على اولوية تحديد سلوك الناخب في الانتخابات القادة خلال ايام.