من يتحمل مسؤولية ما حدث مع المتقاعدين العسكريين الاردنيين بالدوحة؟
تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الأردنية كشفت الفصل الأخير من القصة، أقصد ما فعلته الشقيقة دولة قطر من تسوية لحل المشكلة بالتعويض والعودة، اما الفصول الأخرى فما زالت مجهولة، لا أشك بأن ثمة «قطبة» مخفية تقف خلف ما جرى، والأيام القادمة كفيلة بحلها.
أعرف أن الحكومة تفاجأت بالقضية، ثم تعاملت معها (من خلال وزارة الخارجية وسفيرنا الصديق زيد اللوزي) بما يلزم من حذر، أعرف، ثانيا، أن الأشقاء في قطر استوعبوا ما حدث، وتعاملوا معه بمنطق الأخوة والاحترام والكرم، وهذا ليس غريبا عليهم.
أعرف، ثالثا، أننا أخطأنا : الشركة التي تعاقدت وأخلت بالتزاماتها، المتقاعدون الذين تظاهروا وكان يمكن أن يحتجوا بشكل أفضل يراعى سمعة الدولة المضيفة، مؤسسة المتقاعدين العسكريين التي كان يفترض أن تكون هي الجهة المتعاقدة والمتابعة أيضا، والأهم إدارة الدولة بمؤسساتها المعنية التي أخفقت بترتيب ومراقبة العملية منذ بدايتها، معقول أن تبرم اتفاقية، أيا كانت، تشمل نحو 6000 شخص، يسافرون لدولة أخرى، وفي موسم مهم وحساس، دون أن تحظى بما يلزم من اهتمام وتدقيق ومتابعة؟
ما حدث، بالطبع، كان صادما ومخجلا ومحرجا، سواء لبلدنا أو لأشقائنا القطريين، صورة الأردنيين في الخارج كانت -ومازالت- تعكس أفضل ما لدينا من كفاءة وشهامة وأخلاقيات، لكنها للأسف تأثرت، سمعة بلدنا التنظيمية والإدارية كانت هي الأخرى جزءا من رأسمالنا الوطني تأثرت أيضا، ثم إننا خسرنا مثل هذه الفرصة التي أتاحت لآلاف من المتقاعدين تحسين أوضاعهم المعيشية، وترسيخ استعانة الأشقاء بنا لمساعدتهم بمثل هذه المواسم التي يحتاجوننا فيها، كما نحتاجهم لتوفير فرص عمل لأيدينا العاملة.
بانتظار الرواية الرسمية الكاملة، ثم الإجراءات اللازمة للتحقيق فيما حدث، ومحاسبة المسؤولين عنه، أشير إلى مسألتين هامتين، الأولى أن كل التحذيرات التي أطلقها الأردنيون حول الفساد «الوقح» الذي اصبح يمدّ لنا لسانه ورجليه أيضا، ما تزال مجرد صرخات في واد، استدعاء حالة الفساد، هنا، ضروري للتذكير بأن عدواه تنتقل لكل مجالاتنا العامة والخاصة، وأن مواجهته -بكافة الوسائل -اصبح ضرورة وطنية، ليس فقط للحفاظ على المال العام والاستقرار، وصيانة العدالة، وإنما لحماية هيبة الدولة وعافية المجتمع أيضا.
اما المسألة الثانية، فهي أن من واجبنا التعامل مع ما جرى بمنطق الدولة، بدون تهوين او تهويل، وبدون إصدار أحكام مسبقة، أو البحث عن وصفات «شيطنة» يمكن أن تغطي بدخانها على جوهر المشكلة، أقصد أن نتوجه لتعلم الدروس مما حصل، ثم نطمئن الأردنيين على أن القصة لن يجري التغطية عليها، وأنها ستأخذ حقها الكامل من التدقيق والمحاسبة، فقد خسرنا في مونديال قطر، ومن واجبنا أن نصحح ما حصل، لكيلا تتدحرج كرة الغضب أكثر، ولكي نضمن ان ما حدث لن يتكرر.
تبقى مسألة ثالثة، وهي أن المتقاعدين العسكريين يستحقون منا كل التقدير والاحترام، وما دام أن لديهم مظلة (مؤسسة المتقاعدين) مسؤولة عنهم بحكم القانون، فمن الواجب أن يناط بها مستقبلا كل ما يتعلق بشؤونهم، هؤلاء (يزيد عددهم على 250 ألفا) يشكلون اهم الطاقات والخبرات في بلدنا، والمؤسسة يفترض، بل يجب، أن لا تغيب، أو أن يجري تغييبها عن المنتسبين إليها، وأعتقد أنها لو كانت الطرف الأساسي في قصة التعاقد لما حدث ما حدث.