التعديل الحكومي الأخير لم يعجب جماعات، عرفناهم لا يعجبهم عجبا، لأن غالبية منهم اعتادوا الانتقاد بلا معرفة أو أن لديهم حساباتهم الخاصة التي لم تتحقق بالتعديل ولا تعرف العدالة.. ولا أملك الا ان أحمد الله بأننا لسنا بريطانيين، لسمعنا عندئذ كلاما عجبا عن تعيين ريشي سوناك الهندي رئيسا لوزراء الامبراطورية الانجليزية.
لا أتزلف لا لحكومة ولا لغيرها حين أقول بأن ضميري يكون مرتاحا لو قلت بأن التعديل الحكومي مريح، ولا يعني هذا بأنه تعديل حاسم، بعده سينصلح الحال، لكنني مرتاح لأنه شمل حقيبة التعليم العالي والبحث العلمي، والتربية والتعليم، حيث تراجع التعليم جدا منذ اضراب المعلمين المعروف، ثم جائحة كورونا، وآثارها على مؤسسات التعليم، المدرسي والجامعي، وظهر هذا التراجع قاسيا، حين قفزت أجندة الإصلاح الإداري، و»تجربة» ترشيق القطاع العام، فتراجعت فرص تعيين خريجي الجامعات، وارتفعت نسبة البطالة، واختفى نصف الأمل بالنسبة للشباب حملة شهادات الجامعات، الذين زاد تعدادهم اليوم عن نصف مليون، ينتظرون وظيفة يقررها لهم ديوان الخدمة المدنية، الذي يطبق «وصفة» غريبة، اسمها امتحان التنافس اللائق.
ازداد المشهد سوداوية في المدارس في العامين الأخيرين، وسرعان ما انعكس على القبولات الجامعية، فشهدنا كثافة في أعداد خريجي الثانوية العامة، وبمعدلات خيالية، ثم تقليصا لعدد المقاعد الجامعية في جامعاتنا الحكومية، التي لا تتجاوز طاقتها الاستيعابية الفعلية عن 45 الف مقعد جامعي، يتنافس عليها أضعاف هذا العدد، و»تتخردق» الحسبة في كل مرة بسبب الكوتات، التي لم تجد حتى اليوم حلا ملهما لها ولكل الفئات المستفيدة منها، والتي جاء إقرارها بناء على أسباب وجيهة، تتعلق بتشوه توزيع مكاسب التنمية، حيث يضعف التعليم وأدواته ومؤسساته في المناطق النائية، وتضعف فرص تحصيله حين يكون الآباء من ذوي الدخل المحدود.. وفي هذين العامين تابعنا حالات كثيرة، لطلبة حازوا معدلات فوق ال90% في الثانوية العامة، ولم يتمكنوا من حيازة مقعد جامعي لتخصص يرغبون بدراسته، فتحولوا للدراسة بالجامعات الخاصة، وهذا تحد جديد كبير بالنسبة للدولة، حيث ثمة فئات كثيرة، فقيرة، لكنها تكافح وتبذل جهدا، ويحوز أبناؤها على معدلات متفوقة «نسبيا» في الثانوية، ويكتشف هؤلاء الأبناء بأنهم «مختلفون» عن زملائهم، الذين لديهم المال، وتحصيلاتهم في الثانوية أقل، لكنهم وبسبب الكوتات حازوا على مقاعد جامعية سهلة..
وقد تخبطت المؤسسات المعنية في كثير من قراراتها، من ناحية إلغاء تخصصات جامعية، واستحداث أخرى، ومع كل قرار جديد تجري الإشارة بأن القرار جاء بناء على دراسات وآراء خبراء، ولا نلبث طويلا حتى نكتشف بأن الدراسات والآراء والخبراء..هي أيضا محض أخطاء، وتم خلال هذه الفترة القفز بشكل متعمد عن الاستراتيجية الوطنية لتنمية وتطوير الموارد البشرية، وتم حرق مراحل منها، وهذا سلوك «اجتهادي» لا علاقة له بالاستراتيجية ولا بخطتها التنفيذية، سيجلب لنا المزيد من النتائج السيئة على صعيد التعليم وعلى صعيد فرص العمل، بينما في الوقت نفسه لدينا قصص نجاح ملهمة حدثت في بعض الجامعات، وقصص أخرى حدثت وقت الجائحة حققت نتائج ملهمة أيضا على صعيد التعليم المدرسي والتعليم الجامعي، ولم يلتفت «المجتهدون» لها، بل إن بعضهم تعمد إشاحة النظر عنها..
هناك تحديات كبيرة تواجه قطاع التعليم وصناعة العقل والمستقبل، ولا يمكن أن تترك للاجتهادات المعروفة، ويجب صياغتها في خطة واستراتيجية لتنفيذها، وهذا ما أعتقد بأنه جدير أن يكون على طاولة رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي وزير التربية والتعليم.. فإن أي إنجاز يتحقق بعد دراسة وضمن خطة واضحة سيكون إنجازا مهما وذا قيمة.
التعليم هو مستقبل الدولة والشعب، ويجب أن ندرك أن المستقبل كله على شفير هاوية، فهل نفعل قبل فوات الأوان؟!.