الجزل؛ محمد داودية، أستاذنا الكبير، يتوارى للمرة العاشرة، بحكم رحلة كفاحه من الكسارة الى أكثر من وزارة، وقد يغضبه كلامي هذا، لكنني بصراحة: لم أكن سعيدا حين قرأت اسمه في تشكيلة الأعيان، وأضيف: لا أريد أن أرى هذا الصحفي المهني سوى في رئاسة مجلس إدارة «الدستور»، وهذا انحياز قد يبدو أنانيا بنظر بعضهم، إلا أنني أراه واجبا وطنيا يمليه الوطن والدولة والمهنة على كل استاذ مهني مدافع عن صحافة الدولة ومؤسساتها المختلفة.
مع كل الاحترام لمجلس الأعيان، ومجالس إدارات الصحف الورقية، واحترامي لكل زميل وزميلة، إلا أنني مدرك تماما لتأثير وحضور محمد داودية على الصحافة وديمومتها، وبقائها قيد الصمود في السنوات الأخيرة، ولا ينكر أي زميل أو زميلة في «الدستور» مقدار هذا التأثير والحضور لداودية على صحيفتنا، بل وعلى كل الصحافة لا سيما الورقية منها، التي تجابه كل محاولات إفنائها وإقصائها، حيث يقود داودية منذ أن تسلم رئاسة مجلس إدارة الدستور في المرة الأولى، حملة بل حربا، لمسنا نتائجها جميعا، ولا يمكن ان نتغاضى عنها.
لا ننكر أن دولة فيصل الفايز، رئيس مجلس الأعيان، هو أيضا أحد حراس الصحافة الورقية اليومية، الذي لم يدخر جهدا لدعمها وصمودها ضد حملات تصفيتها وتصفية مؤسساتها، ونعلم يقينا بأنه بالإضافة لزملاء وشخصيات أخرى في مجلس الأعيان، يقفون بصدق مع الصحافة الوطنية ومؤسساتها، وما انفكوا يطالبون بدعمها، وتقويتها في وجه خطاب الانفلات التجاري، واللامهني، الذي حيّد خطاب الدولة، ونفى ثقافته وأخلاقياته الوطنية من الرأي العام، لكنني أجزم أن داودية هو «أسد الصحافة» الحقيقي، ما دام في عرينه، وقد كان يبذل جهودا شخصية لا يعرفها غالبية من الزملاء والزميلات، أسهمت في توفير مزيد من الاستقرار على الصحافة الورقية ومؤسساتها، بل وحققت إنجازات على صعيد ديمومتها واستقرارها واستمرارها، لم تكن لتتحقق لولا جهود هذا الأستاذ الكبير.
لا أشكك في التزام كثيرين من النخبة الأردنية بالصحافة المهنية وبمؤسساتها الوطنية، ولا بقناعتهم بأنها خط دفاع متقدم عن الدولة الأردنية ومصالحها، لكن يكون الأمر مختلفا حين يقود هذه الجهود صحفي كبير وسياسي بارع وكاتب مجيد، وبنك علاقات، كمحمد داودية، فهو أمين حين حمل أمانة مسؤوليتها، ومقاتل شرس حين دافع عنها، وزميل صدوق حين دافع عن أرزاق زملائه ومستقبلهم المهني.. فحقق استقرارا على كل هذه الأصعدة، في زمن يشهد أسوأ العواصف السياسية والاقتصادية، وتطغى فيه «الديماغوجية» والاجتهادات، والتوافقات .. التي كانت تحدث على حساب المهنة وخطاب الدولة، والتي بغيابه هناك، ستنتهز الفرصة مجددا، للإجهاز على المهنة وأصحابها.
مثل محمد داودية لا يحتاج وصاة بالاحتفاظ بسلاحنا جميعا، الذي هو سلاح الوطن المقدس، فالتنوير ونقل الحقيقة والحياد والنزاهة، ودرء السوء عن الوطن قيادة وشعبا ومؤسسات، عمل مقدس، له رجاله ونساؤه المختصون، وله قادة فكر ومهنة، عرفنا صدقهم ولمسنا إنجازهم ونزاهتهم وعدم اتجارهم بالمهنة ولا بمصالح الوطن رغم معاناتهم.
لم نكن لنستغني عنك لو فاوضونا، لكننا لا نملك الا القول: أطال الله في عمرك وحفظ عليك صحتك، لا تطيل الغيبة يا «أبو عمر»، مع تمام علمي بأنك لن تغيب فعلا، لكن مكانك الحقيقي هنا، مع كل الاحترام لـ»هناك» ومن فيه.