بالتأكيد هي القمة العربية الأولى التي تأخذ ملف «الامن الغذائي» على محمل الجد، والفضل في ذلك - وللاسف الشديد - يعود الى جائحة كورونا أولا، ثم الآن، إلى الحرب في « أوكرانيا « والتي لا يعلم أحد الا الله متى وكيف ستنتهي - الا أن الواقع الأليم يقول أن في مقدمة تداعيات هذه الحرب أزمتَي « الطاقة» و»الغذاء».
العالم كله، بتكتلاته المتعددة، تداعى لمواجهة أزمة الطاقة والغاز تحديدا - كما فعلت دول الاتحاد الاوروبي - الاكثر تضررا من الحرب -.. وفي أزمة الغذاء لا زالت الجهود مبعثرة، وموجات الحلول تتكّسر على شواطئ عقبات تفرضها مستجدات الميدان في الحرب الدائرة في اوكرانيا، وآخر تلك الازمات تعليق روسيا مشاركتها بـ»اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية».
«قمة الجزائر»، التي يسجّل للدولة المستضيفة بلد المليون ونصف المليون شهيد والتي تحتضن قمة «لمّ الشمل «وهي تحتفل بالذكرى الـ( 68) للثورة الجزائرية - يسجّل لها وضع ملف «الامن الغذائي» في مقدمة الملفات التي فرضتها الظروف العالمية، جنبا الى جنب الملفات السياسية المتعددة.
«الامن الغذائي».. ملف فرض نفسه، لأن الارقام الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، تشير الى ان فاتورة الواردات الغذائية على مستوى العالم ستصل إلى( 1.8 تريليون دولار)، بزيادة قدرها (51 مليار دولار) عمّا كان عليه الوضع عام 2021، والزيادة بارتفاع الأسعار، ليس سببها زيادة الواردات من الغذاء، بل لأن الدول المستوردة ستجد صعوبة بتمويل ارتفاع التكاليف الخاصة بالغذاء، وبالتالي سيؤثرذلك على قدرتها في الصمود أمام ارتفاع الأسعار.
الواقع الغذائي العربي جدّ مرير، وتدلّل عليه الأرقام التالية :
-أكبر مستورد للقمح في العالم هي مصر التي تستورد نحو ( 80 ٪) من واردات القمح من روسيا واوكرانيا - بحسب أرقام العام الماضي - واحتياطاتها تكفيها لمدة 4 اشهر فقط.
-لبنان يستورد (80 ٪) من القمح من اوكرانيا و(15 ٪) من روسيا والاحتياطي لا يكفي لاكثر من شهر واحد.
-ليبيا تستورد ( 40 ٪) من القمح من اوكرانيا.
-عموما..الدول العربية تستورد ( 60 ٪) من المواد الغذائية الاساسية من روسيا واوكرانيا ( بسبب انخفاض الاسعار - والتي لم تعد كذلك بعد اندلاع الحرب).
-مصر تستورد نحو ( 12 مليون طن) من القمح سنويا كأكبر مستورد في العالم، تليها اندونيسيا ثم الجزائر( 7.7 مليون طن سنويا )..والوطن العربي يستحوذ على نحو( 25 ٪ ) من صادرات القمح في العالم.
-في أحدث تقرير لمنظمة الـ( فاو)عن البلدان الأشد تضررا من أزمة الغذاء، خاصة ارتفاع الأسعار، تم رصد 6 دول من بينها دولتان عربيتان (اليمن والصومال).
أكثر من ذلك..فهناك استمرار بتراجع نسب الاكتفاء الذاتي زراعيا وغذائيا بالدول العربية، خصوصا تلك التي تعدّ سلعا رئيسية في الاستهلاك الغذائي العربي، ومنها:
- الحبوب حيث تصل نسبة الاكتفاء الذاتي فيها إلى 36.8 ٪ - الزيوت النباتية 23.8 ٪ - السكر 31.4 ٪ - البقوليات 38.4 ٪ - اللحوم الحمراء 73.7 ٪ - ولحوم الدواجن 65.5 ٪.
باختصار.. فان المشهد العربي في ملف « الأمن الغذائي « يشير الى أن هناك دولا تفتقد المال للحصول على احتياجاتها المعتادة من الغذاء بسبب ارتفاع أسعاره - خصوصا تلك التي تعاني من عدم الاستقرار الداخلي ودول لديها المال لكنها تعاني من مشكلات التوريد وسلاسل الإمداد، اضافة الى تحديات أخرى تعطل جهود النهوض بالقطاعين الزراعي والغذائي.
ورغم كل ذلك فالدول العربية تمتلك مقومات نجاح تمكّنها من تحقيق تكامل اقتصادي مهم في هذه المرحلة، ورغم الازمات العالمية فهي منطقة تتوزع فيها عناصر ومقومات النجاح والتكامل الاقتصادي المتمثل في:
(دول النفط والطاقة والثروات المالية - و الثروات الطبيعية - والطاقات البشرية - و الموقع الجيوسياسي..الخ )..ويسجّل للأردن، ولجلالة الملك عبد الله الثاني شخصيا التنبه لهذا الملف - حتى قبل جائحة كورونا - واعتباره في مقدمة مشاريع « التكامل الاقتصادي» بين الاردن ومصر والعراق والامارات والبحرين.
لذلك فلا حلّ.. امام الدول العربية الا بمزيد من التعاون والتكامل من أجل الحفاظ على (الأمن الغذائي - وأمن الطاقة - والأمن المائي) بتكاملية وتشاركية تزيد من قوة دول المنطقة بمواجهة المتغيرات المتسارعة عالميا وإقليميا وعلى الصعيدين السياسي والاقتصادي.