د. محمد حسين المومني - شتاء قاس مقبل على اوروبا والعالم. انه بفعل الازمة الاوكرانية، والعقوبات المفروضة على روسيا وصادراتها النفطية، أدت الى ارتفاع الاسعار بسبب قلة العرض من النفط والغاز.
الاسعار متوقع ان ترتفع بالشتاء، مدفوعة بزيادة الطلب، وهذا سيفعل فعله بالأسعار، والتأثير في الرأي العام. روسيا تدرك خطورة واهمية حرب الطاقة، وهي لذلك تحيّد الجبهة العسكرية التي كانت تخسر بها، وتعول على ادواتها الاخرى من حرب الطاقة والغذاء.
بالمقابل، تدرك اوروبا واميركا ان العقوبات على روسيا مؤذية للطرفين المتنازعين والعالم، ومع ذلك فهي مستعدة لفرض العقوبات ضمن الحسابات التي تقول ان روسيا ستتأثر اكثر واسرع، واذيتها ستكون اكبر بكثير من الاذية التي سيمنى بها الغرب، وان سوق الطاقة العالمي سوف يستقر ضمن معادلات العرض والطلب بعد فترة، خاصة ان الدول الاوروبية ضمنت تعاقدات بعيدة المدى لإمدادات الغاز والنفط تبدأ بالعمل في 2023، وهي واميركا مستعدة لاستخدام احتياطياتها النفطية لإحداث الاستقرار في اسواق الطاقة كما يفعل بايدن ومتوقع ان يفعله بشكل اكبر قبيل الانتخابات النصفية الاميركية.
الحرب العسكرية باتت مكلفة جدا لروسيا، والحديث عن استخدام اسلحة نووية روسية تكتيكية ضرب من الخيال، سيشعل حربا عالمية ثالثة لا قبل لروسيا بها، لأنها تكون قد استعدت وخاصمت كل العالم.
روسيا تدرك ذلك وتعول على سلاح النفط والغذاء لتؤلم الغرب وتدفعه لتسوية، وتثير رأيه العام ضد حكوماته بسبب الاسعار والبرد القارس القادم. ما لا تراه روسيا جيدا، ان ثمة حالة من السخط الشديد ضدها في الغرب وهذا على المستويين الرسمي والشعبي، وروحية تدمير روسيا بوتين قوية جدا افضت لخسارة روسية شديدة من رصيدها السياسي.
وعلى عكس ما تعتقد روسيا، فإن الحكومات الغربية تستخدم العداء لروسيا لكي تحقق مكاسب سياسية وانتخابية، وهذا بدوره اضعف كثيرا مكانة ومستقبل روسيا على المستوى العالمي.
بوتين خلق حالة من العداء والتوجس كانت روسيا في غنى عنها، والاستمتاع الآن أن روسيا محط الانظار العالمية وقوة مؤثرة سوف يتبدد، وتبقى الخسائر الفادحة التي تتكبدها روسيا واقتصادها. تماما كما اخطأ بوتين في توقعاته حول تعامل اوكرنيا مع الغزو الروسي حيث اعتقد انه سيكون سهلا ومرحبا به، اخطأ ايضا في حساباته في ان العالم سيضعف امام اسلحة النفط والغاز والقمح التي يمتلكها.
في استراتيجيات الامن القومي الصادرة مؤخرا من قبل عدد من الدول، تقيم روسيا انها دولة في حالة تراجع استراتيجي، وهذا بناء على معايير حديثة علمية متطورة لقياس قوة الدول، في حين تصنف الصين انها في حالة صعود. العالم لا يخشى القوة الروسية ومستعد لمواجهتها، ويدرك ان ثمة ثمنا لذلك، على عكس المعادلة القائمة مع الصين. لكل ذلك، بوتين قبل غيره معني بتسوية وايقاف ما يحدث، ومعني بقناة خلفية للحوار، ومعني ان يتم تخفيف العقوبات، ومعني بالتعامل بمنطق مع فكرة ضم الاراضي بالقوة التي حتى الصين حذرة بارتكابها.