يبدو أن ملامح الحياة السياسية في بلادنا أصبحت تتشكل بصورة أوضح، مشروعات التحديث الثلاثة، السياسية والاقتصادية والإدارية انتهت صياغتها على الورق الرسمي، تشكيلة الحكومة بعد التعديل وكذلك مجلس الأعيان تم إخراجها وتمريرها، حركة الأحزاب القديمة والجديدة بدأت تكشف طوابق النخب السياسية الطامحة بدور الفاعلين مستقبلا، المفارقة اللافتة هي أن مزاج الأردنيين لم يتغير، كما أن ثقتهم بما يطرح سياسيا ما تزال بأدنى مستوياتها.
في التفاصيل، لدينا خطط ومشروعات للإصلاح على ثلاثة مسارات، ولدينا أدوات قيد الهندسة والتجهيز للتعامل مع هذه المشروعات وإدارتها وتنفيذها، السؤال هل تمثل هذه الأدوات طموحات الأردنيين وارادتهم، اما أنها تؤسس لواقع جديد لا يختلف عن الواقع القائم، أقصد هل تتواءم آمال الإصلاح وأهدافه مع «كفاءة» الطبقة السياسية التي يجري تصديرها والترويج لها، وهل بوسعها أن تنقل بلدنا من حالة الاستعصاء واللايقين السياسي إلى وضع قادم مختلف نوعيا؟
لكي نفهم جزءا من المشهد، أشير لأكثر من ملاحظة، يمكن تسجيلها على هامش ما حدث من مستجدات سياسية في الأسابيع الماضية، خذ، مثلا، تشكيلة مجلس الأعيان التي ضمت نحو 31 عضوا جديدا الحاضرون فيها، بمختلف اطيافهم السياسية، يعكسون من حيث التمثيل الروافع المطلوبة للتجهيز للوضع القادم، اما الغائبون، من حيث التمثيل أيضا، فيبدو انه لن يكون لهم نصيب في المرحلة القادمة ( لا تسأل لماذا؟).
خذ، أيضا، جولة الانتخابات لرئاسة البرلمان، ستجد أن التوافقات التي تمت لم تكن بعيدة عما حدث في المطبخ السياسي العام الذي أفرز خرائط ما جرى في الغرفة الثانية لمجلس النواب، ستجد أيضا أنه ثمة أحزابا جديدة تمكنت من التمدد داخل منصات القرار، و أنها أصبحت جاهزة لاستقطاب نخب جديدة من دائرتي البزنس السياسي ورجال المال والأعمال ، ستجد، ثالثا، أن تطبيع العلاقات بين الحكومة والنواب سيكون عنوانا للوضع القادم.
المفارقة، هنا، هي أن حركة الفاعلين في المشهد السياسي الرسمي، تتسارع لتوزيع المواقع، وتأثيث المقرات، و تقاسم النفوذ، فيما حركة الفاعلين في المجتمع بكافة أطيافه وتياراته (هل ثمة فاعلون حقا؟)، تبدو واقفة أو شبه واقفة، والاهم ان حركة أغلبية المجتمع تسير بعكس الاتجاه، من نلوم : النخب الرسمية و مؤسسات الدولة المختلفة، أم من يتقدمون صفوف المجتمع ويتحدثون باسمه او يمثلونه؟ أعتقد أن الطرفين معا يتحملان مسؤولية عجز المجتمع عن الحركة والفعل، وعن إقامة المعادلة السياسية على موازين عادلة.
لا أشك أن المرحلة الانتقالية من الوضع القائم إلى أي وضع قادم منشود، ستكون صعبة، ولن تستطيع أن تقف على قدم واحدة، سواء أكانت رسمية ام شعبية، لا أشك، أيضا، أن الإفراز الصناعي والآلي للفاعلين المؤهلين لإدارة المرحلة القادمة سيكون مغامرة، وأن إفساح المجال لولادة طبقة سياسية تخرج من رحم المجتمع هو الخيار والبديل الأصح، لا شك، ثالثا، أن المسؤولية التي يجب أن تنهض بها مؤسسات الدولة، في هذا التوقيت بالذات، هي تغيير تعاملها مع الشباب تحديدا، أقصد أن تقف على مسافة واحدة من كافة التيارات السياسية التي يمكن أن تفرز فاعلين من الشباب، للانخراط في العمل الحزبي والسياسي .
لدينا طريقان في المرحلة القادمة : الأول أن نسير بالاتجاه الصحيح لتنفيذ المشروعات الثلاثة الكبرى على قاعدة التوافق العام الذي يمثل الجميع، وهذه هي سكة السلامة، اما الطريق الآخر فهو أن نركب قطار العناد والتباطؤ والمراوغة، فلا نسمع إلا أصواتنا داخل الغرف المغلقة، وهذه، لا قدر الله، هي سكة الندامة.